بعد السلام والتحيه
التدين السلبي.. و"تخمة" الفضائيات الدينية
تتفتح من آن لآخر زهرة جديدة من الفضائيات الدينية التي تعبر عن الإعلام الإسلامي الموجه والمثقف والمرفه الذي يراعي الضوابط الشرعية في كل ما يقدمه.
وفي رمضان؛ حيث التسابق الفضائي الدرامي والترفيهي على إلهاء الصائمين عن تحقيق المراد من الصيام؛ تقف الفضائيات الدينية أمام هذا الغول اللاهي، وتحاول استقطاب الناس لخير الإعلام، ورفع همم عباد الرحمن في رمضان.
وتتألق العديد من القنوات الإسلامية بتقديم البرامج النافعة، والدراما التاريخية والاجتماعية الإنسانية، وفي هذا استقطاب لمريدي الفضائيات، ومن لا يستطيعون قطع تواصلهم عن التليفزيون في رمضان.
ورغم كون شهر رمضان، شهر عبادة وتفرغ، وتقرب وتطوع، فإن الفضائيات الدينية، أو البرامج الدينية في شهر رمضان على الفضائيات المتنوعة؛ يمكن أن تكون سبيلا إلى زيادة الإيمان، والتقوي على العبادات، وتحصيل العلم، وسماع التذكرة والوعظ.
كوكبة الإعلام الهادف
ويتزامن هذا العام مع إطلاق عدد من الفضائيات الدينية، بعد أن استحوذت قناة "اقرأ" على نصيب الأسد من الجمهور المتدين، والباحثين عن الإعلام الديني الهادف. ولكن خرجت إلى الفضاء التليفزيوني قنوات أخرى، مثل: الرسالة، والعفاسي، والناس.
ووسعت القنوات الجديدة من رقعة الإعلام الفضائي الديني، وأضفت عليه صبغة تنافسية طيبة؛ فعندما تستأثر قنوات قليلة بالإعلام الديني، تقل فرصة المشاهد في الانتقاء، وقد يترهل أداء الإعلام المنفرد مع ندرة المنافسين.
وفي رمضان هذا العام، اجتهدت الفضائيات الإسلامية في تقديم كوكبة متنوعة من التيارات الدعوية الإسلامية؛ نظرا لتجزئ الجمهور، واختلاف أذواقهم، وتنوع مدركاتهم؛ فعمرو خالد له جمهوره من الشباب، ودعاة الخليج لهم جمهور، وأساتذة العلوم الشرعية لهم جمهور آخر.
وهذا في حد ذاته أمر إيجابي، يحمله الجمهور جميلا للفضائيات الإسلامية، حيث تمتعهم بالإعلام الديني الهادف، وتزودهم بالصورة الجميلة، وترفه عنهم في ليل ونهار رمضان، بما لا يخدش صيامهم، ويقدح في عبوديتهم.
ومع تكاثر القنوات الفضائية الدينية، وتسابقها، وتنوع مضامينها الإعلامية خلال شهر رمضان؛ يسعى المرء إلى مشاهدة أكبر قدر من هذه البرامج للاستفادة من هذا العالم، وذلك الداعية، لما للبرامج التليفزيونية أكبر قدرة على التأثير في المشاهدين.
الإسراف.. والتدين السلبي
ومن الجيد أن تنقل قنوات اقرأ، والرسالة، والفجر بثا مباشرا لصلاة التراويح من مكة، حتى لا تقعد العباد عن تراويح رمضان، ولا تفعل ذلك الناس، والعفاسي. وهذا النقل لصلاة التراويح، لا يشغل المتابعين عن وقت الصلاة؛ لأنه يؤجل البرامج المهمة في خريطة العرض إلى ما بعد وقت العبادة.
ولكن هذه "الإسراف" في تناول الوجبات الفضائية، يقصم ظهر المتدين، وينتهك حرمة الشهر الكريم؛ فقد يجلس المسلم أمام التليفزيون، يتابع كل قناة على حدة، بدعوى أنه سيتأثر بالبرامج الإيمانية والدعوية، وينشط دوافعه الدينية، ولكن التلقي التليفزيوني المتواصل يزرع تدينا سلبيا.
كما أن متابعة الفضائيات الدينية، قد تعطي إحساسا خادعا للمسلم بالرضا، وأنه فعل ما عليه، وترك المسلسلات والفوازير، وأغلق على نفسه المشاهدات الدينية، وأنها تهبه "وحدها" الأجر!.
وإذا أردنا أن نفسح للتلقي التلفزيوني جانبا، يجب أن يكون بحدود، وفي ظل تنظيم الوقت، واختيار إعلامي، وعدم ترك الذات عرضة للتلقي دون اختيار وانتقاء.
فالتدين الحقيقي هو القدرة على الفعل، وليس السلبية والتجمد؛ لأن مشاهدة التلفاز، والعكوف أمامه قد يجلب الحسنات، ولكن امتداده لساعات طويلة، قد يضيع عبادات وطاعات أهم وأجل في رمضان، من بينها: الصلاة، والقرآن، والذكر، وصلة الرحم، ومساعدة المحتاجين.
وكلها عبادات تحتاج إلى وقت، وجهد، ينبغي ألا يضيعا فقط أمام التلفاز، وإلا نكون قد أسرفنا في المباحات حتى تحولت إلى مكروهات. فالتدين ليس مجرد تلق لتعاليم الدين، ولكن ترجمة هذا التلقي إلى عمل نؤجر عليه؛ لأن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
تعرض انتقائي
ويشير علماء الإعلام إلى أن التعرض للتليفزيون تحكمه عمليات انتقائية من قبل المتلقي (المشاهد)، وهي:
1- تعرض انتقائي: أي اختيار ما يمكن متابعته وسط هذا التدفق الهائل من البرامج الفضائية، وعدم السلبية في التعرض.
2- إدراك انتقائي: فليس كل ما نتعرض له ندركه. فربما يجلس المشاهد أمام التليفزيون، ولكنه لا يبالي بما يعرض، وينشغل ذهنيا بأمور أخرى. وبذلك يكون قد ضيع الوقت هباء، فلا هو تعبد، ولا استفاد معرفيا من البرامج الدينية.
3- تذكر انتقائي: فالمتلقي متخير لما يحفظه في ذاكرته، وما يتجاهله ويعرض عنه.
ويمكننا تفعيل هذه العوامل الانتقائية في المتابعة التليفزيونية، من خلال اختيار ما نتابعه، والإحسان في المتابعة، ومحاولة تسجيل بعض النقاط المهمة التي يراها المتلقي مهمة، ويرجع إليها وقت الحاجة، وربما حفظ بعض الأقوال المأثورة، أو تدوين مراجع يعود إليها بعد الحلقة/ البرنامج.
وفي الأول والأخير، ينبغي أن يتفهم كل مسلم، أن الأصل في الشهر الكريم هو العبادة، والمسابقة في الخيرات، وتعويد النفس على التقوى، وتدريبها على الاستقامة، وأن الاستفادة من التلفزيون أمر ثانوي، وليس بأصيل في التعامل مع شهر القرآن.
اتمني ان ينال اعجابكم
للامانه منقول