حارة مصرية/ نهار داخلي وخارجي
بعد أن قامت "أم ممدوح" بمسح كل بلاط الشقة، تمسك الجردل الممتلئ بالمياه "اللي مش ولابد" ثم تتجه نحو البلكونة وهي تتحرك في بطء شديد بفعل وزنها الثقيل قبل أن تصل إلى سور البلكونة وهي "تنهج" بشدة ثم ترفع الجردل وتلقي بكل ما فيه من أعلى "تششششششششششش" بالضبط فوق رأس الأستاذ "عبد الحميد" الذي كان خارجا للتو مرتديا بذلته الوحيدة النظيفة الأنيقة متجها إلى عمله..
يصرخ "عبد الحميد":
يارب.. أستغفر الله العظيم.. ليه بس كده يا ست.
"أم ممدوح" وقد تدلى نصف جسدها السمين خارج سور البلكونة حتى تكاد تسقط منه:
غصب عني والله يا أستاذ "عبد الحميد".. ماخدتش بالي.
يظهر فجأة في الكادر "حسونة" القهوجي الذي يدخل في الحوار لتهدئة النفوس:
ماخدتيش بالك إزاي يعني.. مش تبصي قبل ما تحدفي الميه الغريبة دي.. وبعدين أستاذ "عبد الحميد" يروح شغله إزاي دلوقت؟!
عبد الحميد:
خلاص يا "حسونة" أمري لله أطلع ألبس الجلابية وأقولهم إني لسه جاي من الحجاز حالا!
يتدخل"حسانين" البقال في الحوار.. برضه عشان يهدي النفوس:
جلابية إيه بس يا أستاذ "عبد الحميد".. ده حقك.. لازم "أم ممدوح" تجيب لك بدلة جديدة.. إن ماكانش ترفع عليها قضية تعويض ورد شرف.. أمال.. دي بدلة ياناس!
يتطوع أستاذ "صابر" المحامي الذي كان سائرا بالمصادفة في الشارع واستمع إلى الحوار ليدلي بدلوه هو الآخر:
أيون.. تاخد تعويض وأنا مستعد أرفع لك قضية وأجيب لك حقك في 7 سنين بس.. ولو رفضت تدفع ندخلها الأحداث.. دي جناية.. دي شبهة جريمة قتل.. افرض الميه كان فيها حشرات ضارة ولا بكتيريا "يرسينيابيستيس" اللي بتجيب الجمرة الخبيثة.. تموت كده في "جردل"!
يخرج د."بركات" بالبالطو الأبيض من صيدليته العتيقة ذات الأبواب الخشبية المهكعة وهو يقول في هدوء:
الكلام ده مظبوط.. أنا لسه عاطي لواحد دلوقت دواء مقاوم لإنفلونزا الطيور لأن واحدة جارته رمت عليه برضه شوربة فراخ!.. اتفضل يا أستاذ "عبد الحميد" عشان أكشف عليك ولو ثبت إن عندك الجمرة الخبيثة هاكتب ورقة موثقة بكده عشان تنفعك في القضية.. بس ما تنساناش لما تاخد فلوس التعويض بقى.. هاهاها.. اتفضل اتفضل!