| سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 6:58 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني وأخواتي في منتدى الفجر
في هذا الموضوع سـأطرح عليكم سيرة أعلام الصحابة رضي الله عنهم جميعا ..
والأحداث التي مروا بها من إسلامهم وحتى وفاتهم ..
وذلك لتعم الفائدة لجميع أعضاء وزوار منتديات العالمي نـت
بمعرفة من أوصلوا لهم هذا الدين العظيم ( الإسلام )
وما عانوه من أجل ذلك ..
ولنستحضر من قصصهم المواعظ والعبر في الدعوة إلى الله والصبر على الأذى !!..
إخواني الأكرام سأبدأ بطرح سيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ]]
وكل فتـرهـ سأطرح سيرة صحابي جديد حتى نكمل معظم الشخصيات
وعددها يتجاوز الستين وأتمنى من كل عضو أن تكون مشاركته
بأن يضع لنا أهم ثلاث خصال لفتت إنتباهه
في قصة الصحابي رضي الله عنه ..... ....لا تنسونا بالدعاء....أخوكم فى الله... م/محمد عصام | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:01 am | |
| الصحابي الأول / أبو بكر الصديـق ..
إنه الصديق أبو بكر - رضي الله عنه فهو عبد الله بن أبي قحافة، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر .
. ولد في مكة بعد ميلاد النبي ( بسنتين ونصف، وكان رجلاً شريفًا عالمًا بأنساب قريش،
وكان تاجرًا يتعامل مع الناس بالحسنى ..
وكان أبو بكر صديقًا حميمًا لرسول الله وبمجرد أن دعاه الرسول للإسلام أسرع بالدخول فيه،
واعتنقه لأنه يعلم مدى صدق النبي وأمانته يقول النبي ما دعوت أحدًا إلى الإسلام
إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر،
إلا أبا بكر وجاهد أبو بكر مع النبي فاستحق بذلك ثناء الرسول عليه إذ يقول :
لو كنت متخذًا خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي ..
ومنذ أعلن أبو بكر الصديق إسلامه وهو يجاهد في سبيل نشر الدعوة فأسلم
على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم : عثمان بن عفان ،
والـز ــبـ ـيـر بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص ،
وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهم جميعا.
وكانت الدعوة إلى الإسلام في بدايتها سرية فأحب أبو بكر أن تمتلئ الدنيا
كلها بالنور الجديد وأن يعلن الرسول ذلك على الملأ من قريش فألح أبو بكر
على النبي في أن يذهب إلى الكعبة ويخاطب جموع المشركين فكان النبي يأمره
بالصبر وبعد إلحاح من أبي بكر وافق النبي فذهب أبو بكر عند الكعبة وقام
في الناس خطيبًا ليدعو المشركين إلى أن يستمعوا إلى رسول الله فكان
أول خطيب يدعو إلى الله وما إن قام ليتكلم حتى هجم عليه المشركون
من كل مكان وأوجعوه ضربًا حتى كادوا أن يقتلوه ولما أفاق رضي الله عنه
أخذ يسأل عن رسول الله كي يطمئن عليه فأخبروه أن رسول الله بخير
والحمد لله ففرح فرحًا شديدًا ..
وكان أبو بكر يدافع عن رسول الله بما يستطيع فذات يوم بينما كان
أبو بكر يجلس في بيته إذ أسرع إليه رجل يقول له أدرك صاحبك
فأسرع رضي الله عنه ليدرك رسول الله فوجده يصلي في الكعبة وقد أقبل
عليه عقبة بن أبي معيط، ولف حول عنقه ثوبًا وظل يخنقه فأسرع رضي
الله عنه ودفع عقبة عن رسول الله وهو يقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟!
فالتفت المشركون حوله وظلوا يضربونه حتى فقد وعيه وبعد أن عاد إليه
وعيه كانت أول جملة يقولها : ما فعل رسول الله؟
وظل أبو بكررضي الله عنه يجاهد مع النبي ويتحمل الإيذاء في سبيل نشر الإسلام
حتى أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة حتى إذا بلغ مكانًا يبعد عن مكة
مسيرة خمس ليال لقيه ابن الدغنة أحد سادات مكة، فقال له : أين تريد يا أبا بكر ؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي فقال ابن الدغنة
: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج أنا لك جار (أي أحميك) ارجع واعبد ربك ببلدك،
فرجع أبو بكررضي الله عنه مع ابن الدغنة فقال ابن الدغنة لقريش : إن أبا بكر
لا يخرج مثله، ولا يخرج فقالوا له : إذن مره أن يعبد ربه في داره ولا يؤذينا بذلك
ولا يعلنه فإنا نخاف أن يفتن نساءنا وأبناءنا ولبث أبو بكر يعبد ربه في داره.
وفكر أبو بكر في أن يبني مسجدًا في فناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن فلما
فعل ذلك أخذت نساء المشركين وأبناؤهم يقبلون عليه ويسمعونه وهم معجبون
بما يقرأ وكان أبو بكر رقيق القلب كثير البكاء عندما يقرأ القرآن ففزع أهل مكة
وخافوا وأرسلوا إلى ابن الدغنة، فلما جاءهم قالوا : إنا كنا تركنا أبا بكر بجوارك
على أن يعبد ربه في داره وقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره
فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإنهه فليسمع
كلامك أو يردَّ إليك جوارك ..
فذهب ابن الدغنة إلى أبي بكر وقال له : إما أن تعمل ما طلبت قريش أو أن تردَّ إليَّ جواري،
فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت رجلاً عقدت له (نقضت عهده)،
فقال أبو بكر في ثقة ويقين : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل..
وتعرض أبو بكر مرات كثيرة للاضطهاد والإيذاء من المشركين، لكنه بقي على إيمانه وثباته،
وظل مؤيدًا للدين بماله وبكل ما يملك، فأنفق معظم ماله حتى قيل:
إنه كان يملك أربعين ألف درهم أنفقها كلها في سبيل الله، وكان -رضي الله عنه-
يشتري العبيد المستضعفين من المسلمين ثم يعتقهم ويحررهم..
وفي غزوة تبوك، حثَّ النبي على الصدقة والإنفاق، فحمل أبو بكر ماله كله
وأعطاه للنبي فقال رسول الله له : هل أبقيت لأهلك شيئًا ؟ فقال : أبقيت
لهم الله ورسوله ، ثم جاء عمر -رضي الله عنه- بنصف ماله فقال له الرسول:
"هل أبقيت لأهلك شيئًا؟" فقال نعم نصف مالي، وبلغ عمر ما صنع أبو بكر
فقال "والله لا أسبقه إلى شيء أبدًا"
فقد كان رضي الله عنه يحب رسول الله حبًّا شديدًا، وكان الرسول يبادله الحب،
وقد سئل النبي ذات يوم: أي الناس أحب إليك؟ فقال: "عائشة" فقيل له:
من الرجال، قال: "أبوها"..
وكان -رضي الله عنه- يقف على جبل أُحُد مع رسول الله
( ومعهما عمر، وعثمان-رضي الله عنهما ) ،
فارتجف الجبل، فقال له الرسول اسكن أحد، فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان
ولما وقعت حادثة الإسراء والمعراج، وأصبح النبي يحدث الناس بأنه قد أسري
به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء السابعة،
قال المشركون: كيف هذا، ونحن نسير شهرًا حتى نصل إلى بيت المقدس؟!
وأسرعوا إلى أبي بكر وقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس!
فقال أبو بكر: إن كان قال ذلك فقد صدق، إني أصدقه في خبر السماء يأتيه ..
فسماه الرسول منذ تلك اللحظة الصِّدِّيق كذلك كان أبو بكر مناصرًا للرسول ومؤيدًا له
حينما اعترض بعض المسلمين على صلح الحديبية..
وحينما أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة، اختاره الرسول ليكون رفيقه في هجرته،
وظلا ثلاثة أيام في غار ثور، وحينما وقف المشركون أمام الغار، حزن أبو بكر
وخاف على رسول الله وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلي قدميه،
لأبصرنا، فقال له الرسول "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"
وشهد أبو بكر مع رسول الله جميع الغزوات، ولم يتخلف عن واحدة منها،
وعرف الرسول فضله، فبشره بالجنة وكان يقول: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد
كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة"
وكان أبو بكر شديد الحرص على تنفيذ أوامر الله، فقد سمع النبي ذات يوم يقول
: من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقال أبو بكر: إن أحد
شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال له النبي "إنك لست تصنع ذلك خيلاء"
وكان دائم الخوف من الله، فكان يقول: لو إن إحدى قدميّ في الجنة والأخرى
خارجها ما آمنت مكر ربي
ولما انتقل الرسول ( إلى الرفيق الأعلى، اجتمع الناس حول منزله بالمدين
لا يصدقون أن رسول الله
( قد مات، ووقف عمر يهدد من يقول بذلك ويتوعد، وهو لا يصدق أن رسول الله قد مات،
فقدم أبو بكر، ودخل على رسول الله وكشف الغطاء عن وجهه الشريف،
وهو يقول: طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله وخرج -رضي الله عنه- إلى الناس المجتمعين،
وقال لهم: أيها الناس، من كان منكم يعبد محمدًا
( فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت،
فإن الله تعالى قال: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)
الأية ..
ويسرع كبار المسلمين إلى السقيفة، ينظرون فيمن يتولى أمرهم بعد رسول الله
وبايع المسلمون أبا بكر بالخلافة بعد أن اقتنع كل المهاجرين والأنصار بأن أبا بكر
هو أجدر الناس بالخلافة بعد رسول الله ، ولم لا ؟ وقد ولاه الرسول أمر المسلمين
في دينهم عندما مرض وثقل عليه المرض، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس"
وبعد أن تولى أبو بكر الخلافة، وقف خطيبًا في الناس، فقال:
"أيها الناس إن قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني،
الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أريح (أزيل) علته
إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، ولا يدع قوم
الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة؛ إلا عمهم الله بالبلاء،
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله؛ فلا طاعة لي عليكم.
وقد قاتل أبو بكر -رضي الله عنه- المرتدين ومانعي الزكاة، وقال فيهم:
والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله
( لقاتلتهم عليه. وكان يوصي الجيوش ألا يقتلوا
الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير، ولا النساء، ولا العابد في صومعة،
ولا يحرقوا زرعًا ولا يقلعوا شجرًا..
وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بن زيد؛ ليقاتل الروم، وكان الرسول قد اختار
أسامة قائدًا على الجيش رغم صغر سنه، وحينما لقى النبي صلى الله عليه وسلم
( ربه صمم أبو بكر على أن يسير الجيش كما أمر الرسول وخرج بنفسه يودع الجيش،
وكان يسير على الأرض وبجواره أسامة يركب الفرس، فقال له أسامة
: يا خليفة رسول الله ، إما أن تركب أو أنزل. فقال : والله لا أركبن ولا تنزلن،
ومالي لا أغبِّر قدمي في سبيل الله. وأرسل -رضي الله عنه- الجيوش لفتح
بلاد الشام والعراق حتى يدخل الناس في دين الله..
ومن أبرز أعماله-رضي الله عنه-أنه أمر بجمع القرآن الكريم وكتابته بعد استشهاد كثير من حفظته ..
وتوفي أبو بكر ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة في
السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وعمره (63) سنة
وغسلته زوجته أسماء بنت عميس حسب وصيته،
ودفن إلى جوار الرسول
وروى عن رسول الله أكثر من مائة حديث ..
وترك من الأولاد:
عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة وأسماء، وأم كلثوم - رضي الله عنهم " | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:05 am | |
| الخليفة الثاني :- عمر بن الخطاب ( شهيد المحراب )
إنه الفاروق عمر بن الخطاب-رضي الله عنه، ولد بعد عام الفيل بثلاث سنوات، وكان من بيت عظيم من
قريش، وكان قبل إسلامه من أشد الناس عداوة لرسول الله وأصحابه، وكان يرى أن محمدًا قد فرق بين
الناس، وجاء بدين جديد، فبلغ من ضيقه وكرهه أنه حمل سيفه وتوجه إلى النبي يريد أن يقتله، وفي الطريق
قابله رجل، فقال له: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا، قال الرجل: وكيف تأمن من بني هاشم وبني
زهرة إذا قتلته؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي كنت عليه. قال الرجل: أفلا أدلك على ما
هو أعجب من ذلك؟ قال عمر: وما هو؟ قال: أختك وزوجها قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه.
فغضب عمر أشد الغضب، وغير وجهته؛ حيث اتجه إلى بيت أخته فاطمة ليرى صدق ما أخبر به،
فلما أتاهما وكان عندهما خباب بن الأرت-رضي الله عنه-، فدفع عمر الباب وقد سمع أصواتهم
وهم يقرءون القرآن، فقال مستنكرًا: ما هذه الهمهمة (الصوت غير المفهوم) التي سمعتها عندكم ؟
فقال سعيد بن زيد زوج أخته: حديثًا تحدثناه بيننا.
قال عمر: فلعلكما قد صبأتما. فقال له سعيد: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟
فوثب عمر عليه وأخذ يضربه، فجاءت أخت عمر فدفعت عمر عن زوجها فلطمها بيده،
فسال الدم من وجهها، فقالت: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك،
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
فلما يئس عمر منهما قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه،
فقالت أخته: إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون، فاغتسل أو توضأ، وعلمته كيف يتوضأ،
فقام عمر فتوضأ ثم أخذ الكتاب وقرأ الآيات الأولى من سورة طه، فقال عمر:
دلوني على محمد.فلما سمع خباب قول عمر خرج من المخبأ،
وهو يقول: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله
( لك ليلة أمس: "اللهمَّ أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام" قد استجيبت،
ثم خرج خباب مع عمر إلى دار الأرقم في جبل الصفا، حيث كان رسول الله وأصحابه.
فلما اقتربا من الدار، وجدا على بابها حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- ومعه طلحة بن عبيد الله،
وبعض الصحابة -رضي الله عنهم- فلما رآه حمزة قال لمن حوله: هذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيرًا يسلم
ويتبع النبي وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا، ثم خرج رسول الله حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه
وقال: ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة.
فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، وشهد شهادة الحق، فكبر المسلمون تكبيرة سُمعت في طرق مكة.
ثم قال عمر: يا رسول الله، علام نخفي ديننا ونحن على الحق، ويظهرون دينهم وهم على باطل.
فقال رسول الله (: "يا عمر، إنا قليل، وقد رأيت ما لقينا"، فقال عمر: فوالذي بعثك بالحق،
لا يبقى مجلس جلست فيه وأنا كافر إلا أظهرت فيه الإيمان.
ثم خرج فطاف بالكعبة، ومرَّ على قريش وهم جالسون ينظرون إليه، فقال أبو جهل لعمر: يزعم فلان أنك
صبأت؟ فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله. فهجم عليه بعض
المشركين، فأخذ عمر يضربهم، فما يقترب منه أحد إلا وقد نال منه حتى أمسك عمر بعتبة بن ربيعة وضربه
ضربًا مبرحًا، ثم ذهب عمر إلى الرسول وأخبره، وطلب منه أن يخرج معه ليعلنوا إسلامهم أمام مشركي مكة،
فخرج النبي وأصحابه، فطافوا بالكعبة وصلوا الظهر، ولقب عمر منذ ذلك بالفاروق لأنه فرق بن الحق
والباطل .
وكان عمر -رضي الله عنه- مخلصًا في إسلامه، صادقًا مع ربه، شديد الحب لله ورسوله، فلزم النبي ولم
يفارقه أبدًا، وكان هو والصديق يسيران مع النبي حيث سار، ويكونان معه حيث كان، حتى أصبحا بمكانة
الوزيرين له، وكان يقول: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" ويقول: "لو كان بعدي نبي لكان عمر
" وقد بشره رسول الله بالجنة، فهو أحد العشرة المبشرين بها، قال "دخلت الجنة، أو أتيت الجنة
فأبصرت قصرًا، فقلت لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فلم يمنعني
إلا علمي بغيرتك"، قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أو عليك أغار.
ولما أذن رسول الله لأصحابه بالهجرة إلى المدينة، كانوا يهاجرون في السر خوفاً من قريش،
وتواعد عمر بن الخطاب مع عباس بن أبي ربيعة المخزومي وهشام بن العاص على الهجرة،
واتفقوا على أن يتقابلوا عند مكان بعيد عن مكة بستة أميال ومن يتخلف منهم فليهاجر الآخر،
وعند خروجه من مكه نادى أمام الكعبة وقال : يا معشر قريش إن مهاجر من مكه فمن أراد
أن تثقله إمه فليلحق بي إلى بطن الوادي فما استجرأ أحد على الحاق به حتى وصل المدينة
فلما هاجر إليها رسول الله آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عمر بن الخطاب
وعتبان بن مالك -رضي الله عنهما-. وتكون المجتمع الإسلامي في المدينة، وبدأت رحلة الجهاد في الإسلام، فرفع عمر لواء الحق
وأمسك بسيفه ليناصر دين الله -عز وجل- وجاءت أول معركة للمسلمين مع المشركين غزوة
بدر الكبرى، فأسر المسلمون عددا من المشركين، وشاور النبي أصحابه في أسرى بدر،
فكان رأي عمر أن يقتلوا، وكان رأي الصديق أن يفتدوا، فاختار النبي أيسر الرأيين،
ونزل على رأي أبي بكر.
فنزل جبريل -عليه السلام- على النبي ليتلو عليه آيات القرآن مؤيدًا
رأي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى
حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد عرض الآخرة والله عزيز حكيم.
لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) فبكى رسول الله وبكى أبو بكر،
فجاء عمر فسألهما عن سبب بكائهما فأخبراه.
وشهد الفاروق عمر مع رسول الله جميع المشاهد والغزوات، يجاهد بسيفه في سبيل الله ؛
ليعلي كلمة الحق. وفي غزوة أحد، وقف بجانبه يدافع عنه بعد أن انهزم المسلمون.
ويلحق رسول الله بالرفيق الأعلى، فيبايع الفاروق أبا بكر الصديق، كما بايعه المهاجرون والأنصار،
ويقف عمر بجانبه يشد من أزره، لا يكتم عن رأيا، ولا يبخل عنه بجهد في سبيل نصرة الحق ورفعة الدين،
فيكون معه في حربه ضد المرتدين ومانعي الزكاة ومدعي النبوة، وفي أعظم الأمور وأجلها مثل جمع القرآن ..
ويوصي الخليفة الأول قبل موته بالخلافة إلى الفاروق عمر، ليضع على كاهله عبئًا ثقيلاً،
يظل عمر يشتكي منه طوال حياته، ولكن من كان لهذا الأمر غير عمر،
فإنه الفاروق، العابد، الزاهد، الإمام العادل ..
وحمل عمر أمانة الخلافة فكان مثالا للعدل والرحمة بين المسلمين،
وكان سيفًا قاطعا لرقاب الخارجين على أمر الله تعالى، والمشركين،
فكان رحيما وقت الرحمة، شديدًا وقت الشدة.
فقد خرج مع مولاه وأسلم في ليلة مظلمة شديدة البرد يتفقد أحوال الناس، فلما كانا بمكان
قرب المدينة، رأى عمر نارًا، فقال لمولاه: يا أسلم، ههنا ركب قد قصر بهم الليل،
انطلق بنا إليهم فذهبا تجاه النار، فإذا بجوارها امرأة وصبيان، وإناء موضوع على النار،
والصبيان يتصايحون من شدة الجوع، فاقترب منهم، وسألهم: ما بالكم؟ فقالت المرأة:
قصر بنا الليل والبرد، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون (يصطرخون)؟! قالت: من الجوع،
فقال: وأي شيء على النار؟ قالت: ما أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر، فبكى ورجع
إلى البيت فأحضر دقيقًا وسمنًا وقال: يا أسلم، احمله على ظهري. فقال أسلم: أنا أحمله عنك.
فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟ فحمله على ظهره وانطلقا حتى أتيا المرأة، فألقى الحمل عن ظهره
وأخرج من الدقيق، فوضعه في القدر، وألقى عليه السمن وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته
ساعة، حتى نضج الطعام، فأنزله من على النار، وقال: ائتني بصحفة، فأتى بها، فغرف فيها ثم جعلها أمام
الصبيان، وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، والمرأة تدعو له، فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم انصرف
وهو يبكي، ويقول: يا أسلم، الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم.
وخرج الفاروق يومًا يتفقد أحوال رعيته فإذا امرأة تلد وتبكي، وزوجها لا يملك حيلة،
فأسرع عمر -رضي الله عنه- إلى بيته، فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب،
هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ ثم أخبرها الخبر، فقالت نعم. فحمل عمر على ظهره دقيقًا وشحمًا،
وحملت أم كلثوم ما يصلح للولادة، وجاءا، فدخلت أم كلثوم على المرأة، وجلس عمر مع زوجها يحدثه،
ويعد مع الطعام، فوضعت المرأة غلامًا، فقالت أم كلثوم: يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام.
فلما سمع الرجل قولها استعظم ذلك، وأخذ يعتذر إلى عمر، فقال عمر: لا بأس عليك،
ثم أعطاه ما ينفقون وانصرف.
ويروى أنه رأى شيخًا من أهل الذمة يستطعم الناس، فسأل عمر عنه، فقيل له:
هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف، فوضع عنه عمر الجزية، وقال: كلفتموه الجزية حتى إذا ضعف
تركتموه يستطعم؟ ثم أجرى له من بيت المال عشرة دراهم ..
وفي خلافة الفاروق عمر اتسعت الدولة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها،
وكثرت الفتوح الإسلامية للبلاد، ففتح في عهده الشام والعراق وإيران وأذربيجان، ومصر وليبيا،
وتسلم عمر مفاتيح المقدس، وكثر في عهده الأموال، وامتلأ بيت المال، فلم تشهد الدولة الإسلامية عهدًا
أعظم من ذلك العهد وخلافة أفضل من تلك الخلافة.
ورغم ذلك الثراء كان عمر يعيش زاهدًا، ممسكًا على نفسه وعلى أهله، موسعًا
على عامة المسلمين وفقرائهم.
فكان عمر لا يأكل إلا الخشن من الطعام، ولا يجمع بين إدامين (الإدامين: ما يأكل بالخبز) قط
ويلبس ثوبًا به أكثر من اثنتي عشر رقعة، لا يخاف أحدًا لعدله، فقد حكم، فعدل،
فأمن فاطمأن فنام لا يخاف إلا الله عز وجل.
وقد جعل عمر سيرة رسول الله وحياة الصديق -رضي الله عنه- نبراسًا أمامه يضيء له طريقه،
ويسير على هداه لا يحيد عنه طرفة عين أو أقل من ذلك، وكان دائمًا يذكر نفسه ويذكر
حوله بعظاته البالغة، فمن ذلك قوله الخالد: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا،
وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
وكان يقول: ويل لديَّان الأرض من ديَّان السماء يوم يلقونه، إلا من أمَّ (قصد) العدل، وقضى بالحق،
ولم يقض بهواه ولا لقرابة، ولا لرغبة ولا لرهبة، وجعل كتاب الله مرآته بين عينيه.
وكان عمر شديدًا على ولاته الأمراء، فكان يأمرهم بالعدل والرحمة بين الناس،
ويحثهم على العلم، ولم يكن يولي الأمر إلا لمن يتوسم فيه الخير ويعرف عنه الصلاح والتقى،
ودائمًا كان يتعهدهم ويعرف أخبارهم مع رعيتهم، فإن حاد أحدهم عن طريق الحق عزله وولى غيره،
وعاتبه، وحاسبه على أفعاله.
ويروى في ذلك أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين،
عائذ بك من الظلم، قال عمر: عذت معاذًا، قال: قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته،
فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم
هو وابنه معه، فقال عمر: أين المصري؟
فجاءه، فقال له: خذ السوط فاضربه، فجعل يضربه بالسوط، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين،
ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو، فقال المصري: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني،
وقد استقدت منه أي اقتصصت منه.
فنظر عمر إلى عمرو نظرة لوم وعتاب وقال له: منذ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟
فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني.
وعاش عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيل الله -عز وجل-، فقد صعد المنبر ذات يوم،
فخطب قائلاً: إن في جنات عدن قصرًا له خمسمائة باب، على كل باب خمسة آلاف من الحور العين،
لا يدخله لا نبي، ثم التفت إلى قبر رسول الله وقال: هنيئًا لك يا صاحب القبر،
ثم قال: أو صديق، ثم التفت إلى قبر أبي بكر-رضي الله عنه-، وقال: هنيئًا لك يا أبا بكر،
ثم قال: أو شهيد، وأقبل على نفسه يقول: وأنى لك الشهادة يا عمر؟! ثم قال:
إن الذي أخرجني من مكة إلى المدينة قادر على أن يسوق إليَّ الشهادة..
واستجاب الله دعوته، وحقق له ما كان يتمناه، فعندما خرج إلى صلاة الفجر
يوم الأربعاء (26) من ذي الحجة سنة (23هـ) تربص به أبو لؤلؤة المجوسي،
وهو في الصلاة وانتظر حتى سجد، ثم طعنه بخنجر كان معه، ثم طعن اثني عشر رجلا مات
منهم ستة رجال، ثم طعن المجوسي نفسه فمات ..
وأوصى الفاروق أن يكمل الصلاة عبد الرحمن بن عوف وبعد الصلاة حمل المسلمون عمرًا إلى داره،
وقبل أن يموت اختار ستة من الصحابة؛ ليكون أحدهم خليفة على أن لا يمر ثلاثة أيام
إلا وقد اختاروا من بينهم خليفة للمسلمين، ثم مات الفاروق، ودفن إلى جانب الصديق أبي بكر،
وفي رحاب قبر المصطفى صلى الله عليه وسلـم ..
رضي الله عنهـم أجمعيـن | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:06 am | |
| الخليفة الثالث :- عثمان بن عفان ( ذا النورين )
إنه الصحابي الجليل عثمان بن عفان-رضي الله عنه- بشره النبي بالجنة، ووعده بالشهادة، ومات وهو راض عنه، وجهز جيش العسرة، وتزوج من ابنتي رسول الله وكان ثالث الخلفاء الراشدين، واستشهد وهو يقرأ القرآن الكريم. وقد ولد عثمان بعد ميلاد النبي بست سنوات في بيت شريف، فأبوه عفان بن العاص صاحب المجد والكرم في قومه. وكان عثمان -رضي الله عنه- من السابقين إلى الإسلام، فحين دعاه أبو بكر إلى الإيمان بالله وحده، لبى النداء، ونطق بشهادة الحق. ورغم ما كان يتمتع به عثمان -رضي الله عنه- من مكانة في قومه لا أنه تعرض للإيذاء من أجل إسلامه، وتحمل كثيرًا من الشدائد في سبيل دعوته، فقد أخذه عمه الحكم بن أبي العاص، وأوثقه برباط، وأقسم ألا يحله حتى يترك دينه، فقال له عثمان: والله لا أدعه أبدًا ولا أُفارقه. فلما رأى الحكم صلابته وتمسكه بدينه؛ تركه وشأنه. وكان عثمان من الذين هاجروا إلى الحبشة فارًا بدينه مع زوجته رقية بنت رسول الله ثم هاجر إلى المدينة، وواصل مساندته للنبي بكل ما يملك من نفس ومال. ولما خرج المسلمون إلى بدر لملاقاة المشركين تمنى عثمان -رضي الله عنه- أن يكون معهم، ولكن زوجته رقية بنت رسول الله مرضت، فأمره الرسول أن يبقى معها ليمرضها، وبعد أن انتصر المسلمون في المعركة أخذ رسول الله في توزيع الغنائم، فجعل لعثمان نصيبًا منها، ولكن زوجته رقية -رضي الله عنها- لم تعش طويلاً، فماتت في نفس السنة التي انتصر فيها المسلمون في غزوة بدر. وبعد وفاة رقية زوَّج الرسول عثمان بن عفان من ابنته الأخرى أم كلثوم، ليجتمع بذلك الفضل العظيم لعثمان بزواجه من ابنتي الرسول فلقب بذي النورين. ثم شهد عثمان-رضي الله عنه-مع النبي ( كثيرًا من المشاهد، وأرسله النبي ( إلى مكة حينما أرادوا أداء العمرة ليخبر قريشًا أن المسلمين جاءوا إلى مكة لأداء العمرة، وليس من أجل القتال، ولكن المشركين احتجزوا عثمان بعض الوقت، وترددت إشاعة أنهم قتلوه، فجمع النبي أصحابه، ودعاهم إلى بيعته على قتال المشركين، فسارع الصحابة بالبيعة، وعرفت تلك البيعة ببيعة الرضوان، وعاد عثمان -رضي الله عنه وكان صلح الحديبية. وفي المدينة رأى عثمان -رضي الله عنه- معاناة المسلمين من أجل الحصول على الماء في المدينة؛ حيث كانوا يشترون الماء من رجل يهودي يملك بئرًا تسمى رومة، فقال النبي "من يشتري بئر رومة فيجعل دلاءه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة" فذهب عثمان-رضي الله عنه-إلى ذلك اليهودي وساومه على شرائها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، ثم خصص لنفسه يومًا ولليهودي يومًا آخر، فإذا كان يوم عثمان أخذ المسلمون من الماء ما يكفيهم يومين دون أن يدفعوا شيئًا، فلما رأى اليهود ذلك جاء إلى عثمان، وباع له النصف الآخر بثمانية آلاف درهم، وتبرع عثمان بالبئر كلها للمسلمين. وفي غزوة تبوك، حثَّ النبي المسلمين على الإنفاق لتجهيز الجيش الذي سمي بجيش العسرة لقلة المال والمؤن وبعد المسافة، وقال : من جهز جيش العسرة فله الجنة" فبعث عثمان إلى النبي عشرة آلاف دينار، فجعل النبي يقبلها ويدعو عثمان ويقول : "غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، وما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا" وتوفي النبي وهو راض عن عثمان؛ فقال "لكل نبي رفيق ورفيقي (يعني في الجنة) عثمان وكان عثمان نعم العون لأبي بكر الصديق في خلافته، ومات وهو عنه راض، وكان كذلك مع عمر بن الخطاب حتى لقى عمر ربه، وقد اختاره عمر ضمن الذين رشحهم لتولي الخلافة من بعده، وبعد مشاورات بينهم تم اختياره ليكون الخليفة الثالث للمسلمين بعد عمر. وظل عثمان خليفة للمسلمين ما يقرب من اثنتي عشرة سنة فكان عادلاً في حكمه، رحيما بالناس، يحب رعيته ويحبونه، وكان يحرص على معرفة أخبارهم أولاً بأول. وعرف عثمان -رضي الله عنه- بالزهد والقناعة مع ما توفر من ثراء عظيم، ومال وفير، يقول عبد الملك بن شداد: رأيت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يوم الجمعة على المنبر وعليه إزار عدني من عدن غليظ، ثمنه أربعة دراهم أو خمسة دراهم. وقال الحسن : رأيت عثمان بن عفان-رضي الله عنه-يقيل (ينام وقت الظهيرة) في المسجد وهو يومئذ خليفة، وقد أثر الحصى بجنبه فنقول: هذا أمير المؤمنين ! هذا أمير المؤمنين ! وقال شرحبيل بن مسلم: كان عثمان -رضي الله عنه- يطعم الناس طعام الإمارة، وعندما يدخل بيته كان يأكل الخل والزيت. وكان رضي الله عنه يحث المسلمين على الجهاد، ويرغب فيه، قال يومًا وهو على المنبر: أيها الناس إني كتمتكم حديثًا سمعته من رسول الله كراهية تفرقكم عني ، ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له ، سمعت رسول الله ( يقول : رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يومًا فيما سواه من المنازل" وواصل عثمان نشر الإسلام، ففتح الله على يديه كثيرًا من الأقاليم والبلدان، وتوسعت في عهده بلاد الإسلام، وامتدت في أنحاء كثيرة. ومن فضائله -رضي الله عنه- وحسناته العظيمة، أنه جمع الناس على مصحف واحد، بعد أن شاور صحابة الرسول ( في ذلك، فأتى بالمصحف الذي أمر أبو بكر -رضي الله عنه- زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بجمعه، وكان عند السيدة حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، ثم أمر بكتابة عدة نسخ ، فبعث واحدًا لأهل الشام وآخر لأهل مصر، وأرسل نسخة إلى كل من البصرة واليمن. فكان لعمله هذا فائدة عظيمة حتى يومنا هذا، وسميت تلك النسخ التي كتبها بالمصاحف الأئمة، ثم قام بحرق ما يخالفها من المصاحف، وأعجب الصحابة بما فعل عثمان ، فقال أبو هريرة -رضي الله عنه- : أصبت ووفقت، وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : لو لم يصنعه هو لصنعته. وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كثير العبادة، يداوم على قيام، وقد أخبر النبي أن عثمان سوف يقتل مظلومًا وأنه من الشهداء، فذات يوم، صعد النبي وأبو بكر وعمر وعثمان جبل أحد، فاهتز الجبل بهم، فقال له النبي: "اسكن أحد، فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان" وتحقق قول النبي الكريم وقتل عثمان -رضي الله عنه- ظلمًا، وهو يتلو آيات القرآن الكريم في يوم الجمعة (18) ذي الحجة سنة 35هـ وصلى عليه ال**ير بن العوام ودفن ليلة السبت، وكان عمره يومئذ 82 سنة، وقيل غير ذلك، فرضي الله عنه وأرضاه | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:07 am | |
| الخليفة الرابع :- علي بن أبي طالب ( أبا تراب )
إنه الصحابي الجليل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن عم رسول الله أبوه هو أبو طالب بن عبدالمطلب بن عبد مناف وأمه السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم -رضي الله عنها-. ولد علي -رضي الله عنه- قبل بعثة النبي ( بعشر سنين، وكان أصغر إخوته، وتربى في بيت النبي ولما نزل الوحي على رسول الله دعا عليّا إلى الإيمان بالله وحده، فأسرع -رضي الله عنه- بقبول الدعوة، ودخل في دين الله، فكان أول من أسلم من الصبيان. ولما رآه أبو طالب يصلي مع رسول الله قال له : أي بني ، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال علي: يا أبي، آمنت برسول الله، وصدقت بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته، فقال أبو طالب: أما إنه لم يَدْعُك إلا لخير، فالزمه. وكان رسول الله يحب عليّا، ويثني عليه، فكان يقول له : أنت مني وأنا منك وكان يقول له : لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق وعندما أراد الرسول الهجرة إلى المدينة، أمر علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه، وفي ليلة الهجرة في جنح الظلام، تسلل مجموعة من كفار مكة، وفي يد كل واحد منهم سيف صارم حاد، وقفوا أمام باب بيت النبي ينتظرون خروجه لصلاة الفجر، ليضربوه ضربة رجل واحد، فأخبر الله نبيه بتلك المؤامرة، وأمره بالخروج من بينهم، فخرج النبي وقد أعمى الله أبصار المشركين، فألقى النبي التراب على رؤوسهم وهو يقرأ قول الله تعالى : ( وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) . ولما طلعت الشمس؛ استيقظ المشركون، وهجموا على البيت، ورفعوا سيوفهم، ليضربوا النائم، فإذا بهم لا يجدونه رسول الله، وإنما هو ابن عمه علي بن أبي طالب، الذي هب واقفًا في جرأة ساخرًا من المشركين، ومحقرًا لشأنهم. وظل عليٌّ في مكة ثلاثة أيام بعد هجرة رسول الله إلى المدينة لكي يرد الودائع، كما أمره رسول الله ولما هاجر وجد النبي قد آخى بين المهاجرين والأنصار، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بيني وبين أحد . فقال له رسول الله أنت أخي في الدنيا والآخرة وقد بشره رسول الله بالجنة، فكان أحد العشرة المبشرين بها، وقد زوجه رسول الله من ابنته فاطمة -رضي الله عنها-، وقدم عليٌّ لها مهرًا لسيدة نساء العالمين وريحانة الرسول . وعاش علي -رضي الله عنه- مع زوجته فاطمة في أمان ووفاق ومحبة، ور**ه الله منها الحسن والحسين. وذات يوم ذهب رسول الله إلى دار علم فلم يجده، فسأل عنه زوجته فاطمة الزهراء : أين ابن عمك ؟ فقالت: في المسجد، فذهب إليه الرسول هناك، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وأصابه التراب فجعل الرسول يمسح التراب عن ظهره، ويقول له : اجلس يا أبا تراب..اجلس يا أبا تراب وشهد علي مع النبي جميع الغزوات، وعرف بشجاعته وبطولته، وفي يوم خيبر قال النبي لأعطين الراية غدًا رجلا يحبه الله ورسوله أو قال : يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الصحابة كل منهم يتمنى أن يكون هو صاحب الراية، فلما أصبح الصباح، سأل النبي عن عليّ، فقيل له : إنه يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: فأرسلوا إليه ، فأتوني به. فلما جاء له، بصق في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي : يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال له : أنفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم .. ففتح الله على يديه. وعرف علي -رضي الله عنه- بالعلم الواسع، فكانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- إذا سئلت عن شيء قالت: اسألوا عليًّا وكان عمر كذلك. وكان عليٌّ يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل. وكان أبو بكر وعمر في خلافتيهما بعد وفاة رسول الله يعرفان لعلي الفضل، وقد اختاره عمر ليكون من الستة أصحاب الشورى الذين يختار منهم الخليفة، ولما استشهد عثمان -رضي الله عنه- اختير عليّ ليكون الخليفة من بعده. ولما تولي عليّ الخلافة نقل مقرها من المدينة إلى العراق، وكان -رضي الله عنه-يحرص على شئون أمته فيسير بنفسه في الأسواق ومعه درعه (عصاه) ويأمر الناس بتقوى الله، وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان. وكان يوزع كل ما يدخل بيت المال من الأموال بين المسلمين، وقبل وفاته أمر بتوزيع كل المال، وبعد توزيعه أمر بكنس بيت المال، ثم قام فصلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وكان -رضي الله عنه- كثير العبادة، يقوم من الليل فيصلي ويطيل صلاته، ويقول مالي وللدنيا، يا دنيا غرِّي غيري. وقد جاءت إليه امرأتان تسألانه، إحداهما عربية والأخرى مولاة، فأمر لكل واحدة منهما بكسر من طعام وأربعين درهمًا، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت، وقالت العربية: يا أمير المؤمنين، تعطيني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة؟ فقال لها علي -رضي الله عنه- : إني نظرت في كتاب الله -عز وجل- فلم أر فيه فضلاً لولد إسماعيل على ولد إسحاق -عليهما الصلاة والسلام-. وفي آخر خلافة علي -رضي الله عنه- كانت الفتنة قد كبرت، وسادت الفوضى أرجاء واسعة من الدولة الإسلامية، فخرج ثلاثة من شباب الخوارج، وتواعدوا على قتل من ظنوا أنهم السبب المباشر في تلك الفتن وهم علي، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فأما معاوية وعمرو فقد نجيا، وأما عليٌّ فقد انتظره الفاسق عبد الرحمن بن ملجم، وهو خارج إلى صلاة الفجر، فتمكن منه، وأصابه في رأسه إصابة بالغة أشرف منها على الموت، وكان ذلك في سنة (40 هـ)، وعمره آنذاك (65) سنة. ودفن بالكوفة بعد أن ظل خليفة للمسلمين خمس سنين إلا أربعة أشهر، وروى عن رسول الله أكثر من أربعمائة حديث، فرضي الله عنه وأرضاه. | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:08 am | |
| طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة
"من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض "
وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة "
حديث شريف
طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد000 لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه000وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل000
ايمانه
لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر ، فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ، فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها000 وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير )000وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض )000ويوم حنين ( طلحة الجود )000
بطولته يوم أحد في أحد000أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم أخاكم000" ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )000 وقد نزل قوله تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا )
تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )000 ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب000
عطائه وجوده وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى بنت عوف دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟000فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني000وقلت له : ما عليك ، اقسمه000فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما )000 وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )000فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما000 وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله )000( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )000ويقول السائب بن زيد صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )000
طلحة والفتنة عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا000لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة هو وال**ير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان000 وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري 000طلحة وال**ير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)000ثم قال لل**ير يا **ير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا **ير ، الا تحب عليا ؟؟000فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟000فقال لك : يا **ير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )000 فقال ال**ير نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )000
الشهادة وأقلع طلحـة و ال**يـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فال**ير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته 000 وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة وال**يـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )000ثم نظر الى قبريهما وقال سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول طلحة و ال**ير ، جاراي في الجنة )0000
قبر طلحة لمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت )000قالها ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ، فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك000 | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:10 am | |
| حمزة بن عبدالمطلب ( أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء )
كان حمزة يعرف عظمة رسول الله وابن أخيه وكماله.. وكان على بيّنة من حقيقة أمره، وجوهر خصاله..
فهو لا يعرفه معرفة العم بابن أخيه فحسب، بل معرفة الأخ بالأخ، والصديق بالصديق.. ذلك أن رسول الله وحمزة من جيل واحد، وسن متقاربة. نشأ معا وتآخيا معا، وسارا معا على الدرب من أوله خطوة خطوة..
ولئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق، فأخذ حمزة يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة، وافساح مكان لنفسه بين ***** مكة وسادات قريش.. في حين عكف محمد على اضواء روحه التي انطلقت تنير له الطريق الى الله وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الحياة الى التأمل العميق، والى التهيؤ لمصافحة الحق وتلقيه..
نقول لئن كان شباب كل منهما قد اتخذ وجهة مغايرة، فان حمزة لم تغب عن وعيه لحظة من نهار .. تلك الفضائل والمكارم التي كانت تحلّ لصاحبها مكانا عليّا في أفئدة الناس كافة، وترسم صورة واضحة لمستقبله العظيم في صبيحة ذلك اليوم، خرج حمزة كعادته. وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتها فجلس معهم، يستمع لما يقولون.. وكانوا يتحدثون عن محمد..
ولأول مرّة رآهم حمزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه.. وتظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد، والغيظ والمرارة. لقد كانوا من قبل لا يبالون، أو هم يتظاهرون بعدم الاكتراث واللامبالاة. أما اليوم، فوجوههم تموج موجا بالقلق، والهمّ، والرغبة في الافتراس. وضحك حمزة من أحاديثهم طويلا.. ورماهم بالمبالغة، وسوء التقدير.. وعقب أبو جهل مؤكدا لجلسائه أن حمزة أكثر الانس علما بخطر ما يدعو اليه محمد ولكنه يريد أن يهوّن الأمر حتى تنام قريش، ثم تصبح يوما وقد ساء صباحها ، وظهر أمر ابن أخيه عليها... ومضوا في حديثهم يزمجرون، ويتوعدون.. وحمزة يبتسم تارّة، ويمتعض أخرى، وحين انفض الجميع وذهب كل الى سبيله، كان حمزة مثقل الرأس بأفكار جديدة، وخواطر جديدة. راح يستقبل بها أمر ابن أخيه، ويناقشه مع نفسه من جديد ومضت الأيام، ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول.. ثم تتحوّل همهمة قريش الى تحرّش. وحمزة يرقب الموقف من بعيد.. ان ثبات ابن أخيه ليبهره.. وان تفانيه في سبيل ايمانه ودعوته لهو شيء جديد على قريش كلها، برغم ما عرفت من تفان وصمود ولو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحدا عن نفسه في صدق الرسول وعظمة سجاياه، فما كان هذا الشك بقادر على أن يجد الى وعي حمزة منفذا أو سبيلا.. فحمزة خير من عرف محمدا، من طفولته الباكرة، الى شبابه الطاهر، الى رجولته الأمينة السامقة انه يعرفه تماما كما يعرف نفسه ، بل أكثر مما يعرف نفسه ، ومنذ جاءا الى الحياة معا ، وترعرعا معا ، وبلغا أشدّهما معا ، وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألمّت بهذه الحياة، لا يذكر أنه رآه يوما غاضبا، أو قانطا، أو طامعا،أو لاهيا، أو مهزوزا...
وحمزة لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب، بل وبرجاحة العقل، وقوة ارادة أيضا.. ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابهة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل الأمانة.. وهكذا طوى صدره الى حين أمر سيتكشّف في يوم قريب.. وجاء اليوم الموعود.. وخرج حمزة من داره،متوشحا قوسه، ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة، ورياضته الأثيرة، الصيد.. وكان صاحب مهارة فائقة فيه وقضى هناك بعض يومه، ولما عاد من قنصه، ذهب كعادته الى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا الى داره. وقريبا من الكعبة، لقته خادمة لعبدالله بن جدعان.. ولم تكد تبصره حتى قالت له : " يا أبا عمارة.. لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا، من أبي الحكم بن هشام.. وجده جالسا هناك ، فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره".. ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله.. واستمع حمزة جيدا لقولها، ثم أطرق لحظة، ثم مد يمينه الى قوسه فثبتها فوق كتفه.. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الكعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي جهل.. فان هو لم يجده هناك، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه.. ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش.. وفي هدوء رهيب، تقدّم حمزة من أبي جهل، ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه، وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة، صاح حمزة في أبي جهل:
" أتشتم محمدا، وأنا على دينه أقول ما يقول..؟! الا فردّ ذلك عليّ ان استطعت"..
وفي لحظة نسي الجالسون جميعا الاهانة التي نزلت ب****هم أبي جهل والدم الذي ينزف من رأسه، وشغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم كالصاعقة.. الكلمة التي أعلن بها حمزة أنه على دين محمد يرى ما يراه، ويقول ما يقوله.. أحمزة يسلم..؟ أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة..؟؟ انها الطامّة التي لن لا تملك قريش لها دفعا.. فاسلام حمزة سيغري كثيرين من الصفوة بالاسلام، وسيجد محمد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ ازره، وتصحو قريش ذات يوم على هدير المعاول تحطم أصنامها وآلهتها.. أجل أسلم حمزة، وأعلن على الملأ الأمر الذي كان يطوي عليه صدره، وترك الجمع الذاهل يجترّ خيبة أمله، وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه المشجوج.. ومدّ حمزة يمينه مرّة أخرى الى قوسه فثبتها فوق كتفه، واستقبل الطريق الى داره في خطواته الثابتة، وبأسه الشديد.. كان حمزة يحمل عقلا نافذا، وضميرا مستقيما.. وحين عاد الى بيته ونضا عنه متاعب يومه. جلس يفكر، ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من قريب.. كيف أعلن اسلامه ومتى..؟ لقد أعلنه في لحظات الحميّة، والغضب، والانفعال.. لقد ساءه أن يساء الى ابن اخيه، ويظلم دون أن يجد له ناصرا، فيغضب له، وأخذته الحميّة لشرف بني هاشم، فشجّ رأس أبي جهل وصرخ في وجهه باسلامه... ولكن هل هذا هو الطريق الأمثل لكي يغادر الانسان دين آبائه وقومه... دين الدهور والعصور.. ثم يستقبل دينا جديدا لم يختبر بعد تعاليمه، ولا يعرف عن حقيقته الا قليلا.. صحيح أنه لا يشك لحظة في صدق محمد ونزاهة قصده.. ولكن أيمكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا، بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات، في لحظة غضب، مثلما صنع حمزة الآن.؟ وشرع يفكّر.. وقضى أياما، لا يهدأ له خاطر.. وليالي لا يرقأ له فيها جفن..
وهكذا، لم يكد حمزة يستعمل في بحث قضية الاسلام، ويوازن بين الدين القديم، والدين الجديد، حتى ثارت في نفسه شكوك أرجاها الحنين الفطري الموروث الى دين آبائه.. والتهيّب الفطري الموروث من كل جيد.. واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة، وآلهاها وأصنامها... وعن الأمجاد الدينية التى أفاءتها هذه الآلهة المنحوتة على قريش كلها، وعلى مكة بأسرها. لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الجديدة التي يحمل ابن أخيه لواءها.. ولكن اذا كان مقدورا له أن يكون أحد أتباع هذه الدعوة، المؤمنين بها، والذائدين عنها.. فما الوقت المناسب للدخول في هذا الدين..؟ لحظة غضب وحميّة..؟ أم أوقات تفكير ورويّة..؟ وهكذا فرضت عليه استقامة ضميره، ونزاهة تفكيره أن يخضع المسألة كلها من جديد لتفكر صارم ودقيق..
وبدأ الانسلاخ من هذا التاريخ بأكمله وهذا الدين القديم العريق، هوّة تتعاظم مجتازها.. وعجب حمزة كيف يتسنى لانسان أن يغادر دين آبائه بهذه السهولة وهذه السرعة.. وندم على ما فعل.. ولكنه واصل رحلة العقل.. ولما رأى أن العقل وحده لا يكفي لجأ الى الغيب بكل اخلاصه وصدقه.. وعند الكعبة، كان يستقبل السماء ضارعا، مبتهلا، مستنجدا بكل ما في الكون من قدرة ونور، كي يهتدي الى الحق والى الطريق المستقيم.. ولنصغ اليه وهو يروي بقية النبأ فيقول: ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي.. وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم.. ثم أتيت الكعبة، وتضرّعت تاة الله أن يشرح صدري للحق، ويذهب عني الريب.. فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقينا وغدوت الى رسول الله صلى الل عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري، فدع الله أن يثبت قلبي على دينه وهكذا أسلم حمزة اسلام اليقين .. أعز الله الاسلام بحمزة ووقف شامخا قويا يذود عن رسول الله، وعن المستضعفين من أصحابه.. ورآه أبو جهل يقف في صفوف المسلمين، فأدرك أنها الحرب لا محالة، وراح يحرّض قريشا على انزال الأذى بالرسول وصحبه، ومضى يهيء لحرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده.. ولم يستطع حمزة أن يمنع كل الأذى ولكن اسلامه مع ذلك كان وقاية ودرعا.. كما كان اغراء ناجحا لكثير من القبائل التي قادها اسلام حمزة أولا. ثم اسلام عمر بن الخطاب بعد ذلك الى الاسلام فدخلت فيه أفواجا . ومنذ أسلم حمزة نذر كل عافيته، وبأسه، وحياته، لله ولدينه حتى خلع النبي عليه هذا اللقب العظيم: (( أسد الله وأسد رسوله )) وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو، كان أميرها حمزة.. وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة.. ويوم التقى الجمعان في غزوة بدر، كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب . وعادت فلول قريش من بدر الى مكة تتعثر في هزيمتها وخيبتها ورجع أبو سفيان مخلوع القلب، مطأطئ الرأس وقد خلّف على أرض المعركة جثث سادة قريش، من أمثال أبي جهل وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأميّة بن خلف. وعقبة بن أبي معيط.. والأسود بن عبدالله المخزومي، والوليد بن عتبة.. والنفر بن الحارث.. والعاص بن سعيد.. وطعمة ابن عديّ.. وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها بعد أن نجا بالقافله التي يقودها . وما كانت قريش لتتجرّع هذه الهزيمة المنكرة في سلام... فراحت تعدّ عدّتها وتحشد بأسها، لتثأر لنفسها ولشرفها ولقتلاها.. وصمّمت قريش على الحرب. وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش عن بكرة أبيها، ومعها حلفاؤها من قبائل العرب، وبقيادة أبي سفيان . وكان ***** قريش يهدفون بمعركتهم الجديدة هذه الى رجلين اثنين: الرسول صلى اله عليه وسلم، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه.. أجل والذي كان يسمع أحاديثهم ومؤامراتهم قبل الخروج للحرب، يرى كيف كان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة..
ولقد اختاروا قبل الخروج، الرجل الذي وكلوا اليه أمر حمزة، وهو عبد حبشي، كان ذا مهارة خارقة في قذف الحربة، جعلوا كل دوره في المعركة أن يتصيّد حمزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمحه، وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر، مهما يكن مصير المعركة واتجاه القتال. ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته.. فقد كان الرجل واسمه وحشي عبدا لجبير بن مطعم.. وكان عم جبير قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبير" اخرج مع الناس وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق ثم أحالوه الى هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان لتزيده تحريضا ودفعا الى الهدف الذي يريدون.. وكانت هند قد فقدت في معركة بدر أباها، وعمها، وأخاها، وابنها.. وقيل لها ان حمزة هو الذي قتل بعض هؤلاء، وأجهز على البعض الآخر.. من أجل هذا كانت أكثر القرشيين والقرشيّات تحريضا على الخروج للحرب، لا لشيء الا لتظفر برأس حمزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه المغامرة. ولقد لبثت أياما قبل الخروج للحرب، ولا عمل لها الا افراغ كل حقدها في صدر وحشي ورسم الدور الذي عليه أن يقوم به..
ولقد وعدته ان هو نجح في قتل حمزة بأثمن ما تملك المرأة من متاع وزينة، فلقد أمسكت بأناملها الحاقدة قرطها اللؤلؤي الثمين وقلائدها الذهبية التي تزدحم حول عنقها، ثم قالت وعيناها تحدّقان في وحشي : كل هذا لك، ان قتلت حمزة وسال لعاب وحشي، وطارت خواطره توّاقة مشتاقة الى المعركة التي سيربح فيها حريّته، فلا يصير بعد عبدا أو رقيقا، والتي سيخرج منها بكل هذا الحلي الذي يزيّن عنق ****ة نساء قريش، وزوجة ****ها، وابنة سيّدها . كانت المؤامرة اذن.. وكانت الحرب كلها تريد حمزة رضي الله عنه بشكل واضح وحاسم.. وجاءت غزوة أحد... والتقى الجيشان. وتوسط حمزة أرض الموت والقتال، مرتديا لباس الحرب، وعلى صدره ريشة النعام التي تعوّد أن يزيّن بها صدره في القتال.. وراح يصول ويجول، لا يريد رأسا الا قطعه بسيفه، ومضى يضرب في المشركين، وكأن المنايا طوع أمره، يقف بها من يشاء فتصيبه في صميمه وصال المسلمون جميعا حتى قاربوا النصر الحاسم.. وحتى أخذت فلول قريش تنسحب مذعورة هاربة.. ولولا أن ترك الرماة مكانهم فوق الجبل، ونزلوا الى أرض المعركة ليجمعوا غنائم العدو المهزوم.. لولا تركهم مكانهم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبرة لقريش كلها، رجالها، ونسائها بل وخيلها وابلها. لقد دهم فرسانها المسلمين من ورائهم على حين غفلة، واعملوا فيهم سيوفهم الظامئة المجنونة.. وراح المسلمون يجمعون أنفسهم من جديد ويحملون سلاحهم الذي كان بعضهم قد وضعه حين رأى جيش المشركين ينسحب ويولي الأدبار.. ولكن المفاجأة كانت قاسية عنيفة ورأى حمزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلاءه.. وأخذ يضرب عن يمينه وشماله.. وبين يديه ومن خلفه.. ووحشيّ هناك يراقبه، ويتحيّن الفرصة الغادرة ليوجه نحوه ضربته ولندع وحشا يصف لنا المشهد بكلماته :
وكنت رجلا حبشيا، أقذف بالحربة قذف الحبشة، فقلما أخطئ بها شيئا.. فلما التقى الانس خرجت أنظر حمزة وأتبصّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق.. يهدّ الناس بسيفه هدّا، ما يقف امامه شيء، فوالله اني لأتهيأ له أريده، وأستتر منه بشجرة لأقتحمه أو ليدنو مني، اذ تقدّمني اليه سباع بن عبد العزى. فلما رآه حمزة صاح به: هلمّ اليّ يا بن مقطّعة البظرو. ثم ضربه ضربة فما أخطأ رأسه عندئذ هززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها فوقعت فيه موضع مقتل فحاول أن يلحق بي فغلبه أجله فمات . وأتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت الى المعسكر فقعدت فيه، اذ لم يكن لي فيه حاجة، فقد قتلته لأعتق. ولا بأس في أن ندع وحشيا يكمل حديثه: فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت بها حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فهربت الى الطائف. فلما خرج وفد الطائف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم تعيّت عليّ المذاهب. وقلت : الحق بالشام أو اليمن أو سواها.. فوالله اني لفي ذلك من همي اذ قال لي رجل: ويحك. ان رسول الله، والله لا يقتل أحد من الناس يدخل دينه. فخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يرني الا قائما أمامه أشهد شهادة الحق. فلما رآني قال: أوحشيّ أنت..؟ قلت: نعم يا رسول الله.. قال: فحدّثني كيف قتلت حمزة، فحدّثته.. فلما فرغت من حديثي قال: ويحك.. غيّب عني وجهك.. فكنت أتنكّب طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان، لئلا يراني حتى قبضه الله اليه . فلما خرج المسلمون الى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة.. فلما التقى الانس رأيت مسيلمة الكذاب قائما، في يده السيف، فتهيأت له، وهززت حربتي، حتى اذا رضيته منها دفعتها عليه فوقعت فيه.. فان كنت قد قتلت بحربتي هذه خير الناس وهو حمزة.. فاني لأرجو أن يغفر الله لي اذ قتلت بها شرّ الناس مسيلمة وهكذا سقط أسد الله ورسوله، شهيدا مجيدا. وهكذا حمل جثمان حمزة الى مكان الصلاة على أرض المعركة التي شهدت بلاءه، واحتضنت دماءه، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم جيء يشهيد آخر، فصلى عليه الرسول.. ثم رفع وترك حمزة مكانه، وجيء بشهيد ثاث فوضع الى جوار حمزة وصلى عليهما الرسول.. وهكذا جيء بالشهداء.. شهيد بعد شهيد.. والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي على كل واحد منهم وعلى حمزة معه حتى صلى على عمّه يومئذ سبعين صلاة.. وينصرف الرسول من المعركة الي بيته، فيسمع في طريقه نساء بني عبد الأشهل يبكين شهداءهن، فيقول عليه الصلاة والسلام من فرط حنانه وحبه :
لكنّ حمزة لا بواكي له | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:12 am | |
| مصعب بن عمير - أول سفراء الاسلام
غرّة فتيان قريش ، وأوفاهم جمالا، وشبابا..
يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون : كان أعطر أهل مكة ولد في النعمة ، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها. ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به مصعب بن عمير ذلك الفتى الريّان ، المدلل المنعّم ، حديث حسان مكة ، و لؤلؤة ندواتها و مجالسها، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان و الفداء ..؟
بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"، أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام.. ولكن أي واحد كان..؟ ان قصة حياته لشرف لبني الانسان جميعا..
لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم.. "محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد. وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث. ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه، زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب.. ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد، ولا التلبث والانتظار، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن، ويصلي معهم لله العليّ القدير. ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه، ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..! ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج، والفؤاد المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان . كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب الى حد الرهبة ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه أما خصومة أمه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين بايمانه، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها على كل طريق، ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية ولقد أبصر به عثمان بن طلحة وهو يدخل خفية الى دار الأرقم ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، فسابق ريح الصحراء وزوابعها، متوجها الى أم مصعب ، حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته، القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم، ويملؤها به حكمة وشرفا، وعدلا وتقى وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية، ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع . ولكن، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى، فان في مقدرتها أ، تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين، ثم يعود معهم الى مكة، ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان، ولقد فرغ من اعداد صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار، واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم . خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله، فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال: (( لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله)) لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها، حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم، فودعته باكية، وودعها باكيا وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها : اذهب لشأنك، لم أعد لك أمّا اقترب منها وقال : يا أمّه اني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا اله الا الله، وأن محمدا عبده ورسوله أجابته غاضبة مهتاجة : قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي ، ويضعف عقلي وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة وأصبح الفتى المتأنق المعطّر، لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما، ويجوع أياما ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة، والمتألقة بنور الله، كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة وحينئذ ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها : أن يكون سفيره الى المدينة، يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة ، ويدخل غيرهم في دين الله، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها، وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير، وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة، ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة، ومنطلق الدعوة والدعاة والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان قريب . وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق، ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه، فدخلوا في دين الله أفواجا لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة، ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة، كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم مصعب ابن عمير لقد أثبت مصعب بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها وعرف أنه داعية الى الله تعالى ومبشرا بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى ، والى صراط مستقيم وأنه كرسوله الذي آمن به ليس عليه الا البلاغ هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يجتمعان معى القبائل ، تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه ، هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد) ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه، لولا فطنة عقله، وعظمة روحه ذات يوم فاجأه وهو يعظ الناس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة، فاجأه شاهرا حربته يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم، ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل، ولم يألفوه من قبل ان آلهتهم معهم رابضة في مكانها واذا إحتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها، فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه هكذا يتصورون ويتوهمون أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم، فما أحد يعرف مكانه، ولا أحد يستطيع أن يراه وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي، وثورته المتحفزة، حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا، متهللا.. وقف اسيد أمامه مهتاجا، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة : ما جاء بكما الى حيّنا، تسهفان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة . وفي مثل هدوء البحر وقوته.. وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال: أولا تجلس فتستمع؟! فان رضيت أمرنا قبلته وان كرهته كففنا عنك ما تكره . الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام . كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره، فيدعوه أن يسمع لا غير فان اقتنع، تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم، وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي . ولم يكد مصعب يقرأ القرآن، ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق وتتغير مع مواقع الكلم، وتكتسي بجماله ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا : ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين ؟ وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا، ثم قال : له مصعب يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا اله الا الله غاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه، ووقف يعلن أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله وسرىخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة، وتمت باسلامهم النعمة، وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير، وسعد ابن معاذ، وسعد بن عبادة قد أسلموا، ففيم تخلفنا..؟ هيا الى مصعب، فلنؤمن معه، فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحا هو له أهل، وبه جديروتمضي الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة، وتتلمظ قريش بأحقادها وتعدّ عدّة باطلها، لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين وتقوم غزوة بدر، فيتلقون فيهادرسا فقدهم صوابهم ويسعون الى الثأر،و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم، ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية ويدعو مصعب الخير، فيتقدم ويحمل اللواءوتشب المعركة الرهيبة، ويحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين، لكن عملهم هذا، سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل، وتعمل فيهم على حين غرّة، السيوف الظامئة المجنونةحين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين، ركزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه أدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر، فرفع اللواء عاليا، وأطلق تكبيرة كالزئير، ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل، ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزيريد تحمل الراية في تقديس يد تضرب بالسيف في عنفوان ولكن الأعداء يتكاثرون عليه، يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول ندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم يقول ابن سعد: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال:حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل.ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء. وقع مصعب.. وسقط اللواء..وقع حلية الشهادة، وكوكب الشهداء..وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..كان يظن أنه اذا سقط، فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل) هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها، ويكملها، ويجعلها، قرآنا يتلى.. وبعد انتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا، وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية.. لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء، فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه. لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..وعند جثمان مصعب، سالت دموع وفيّة غزيرة.. يقول خباب بن الأرت : [هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل اله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة.. فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه، واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر] وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة، وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام، وأوجع فؤاده.. وعلى الرغم من إمتلاء أرض المعركة بجثث أصحاب رسول الله , على الرغم من كل هذا، فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه..أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة.ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:"أيها الناس زوروهم،وأتوهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة، الا ردوا عليه السلام"..
السلام عليك يا مصعب..
السلام عليكم يا معشر الشهداء..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:13 am | |
| بلال بن رباح ( الساخر من الأهوال )
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، اذا ذكر أبو بكر قال : أبو بكر سيدنا وأعتق سيّدنا يعني بلال رضي الله عنه.. وان رجلا يلقبه عمر بسيدنا هو رجل عظيم ومحظوظ لكن هذا الرجل الشديد السمرة، النحيف الناحل، المفرط الطول الكث الشعر، الخفيف العارضين، لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه اليه، وتغدق عليه، الا ويحني رأسه ويغض طرفه، ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل: انما أنا حبشي.. كنت بالأمس عبدا و هناك مئات الملايين من البشر عبر القرون والأجيال عرفوا بلال، وحفظوا اسمه، وعرفوا دوره. تماما كما عرفوا أعظم خليفتين في الاسلام: أبي بكر وعمر. وانك لتسأل الطفل الذي لا يزال يحبو في سنوات دراسته الأولى في كل يقعة من الأرض يقطنها مسلمون، تستطيع أن تسأل أي طفل مسلم: من بلال يا غلام؟ فيجيبك: انه مؤذن الرسول.. وانه العبد الذي كان سيّده يعذبه بالحجارة المستعرّة ليردّه عن دينه، فيقول: أحد أحد وحينما تبصر هذا الخلود الذي منحه الاسلام بلال فاعلم أن بلال هذا، لم يكن قبل الاسلام أكثر من عبد رقيق، يرعى ابل سيّده على حفنات من التمر، حتى يطو به الموت، ويطوّح به الى أعماق النسيان.. لكن صدق ايمانه، وعظمة الدين الذي آمن به بوأه في حياته، وفي تاريخه مكانا عليّا في الاسلام بين العظماء والشرفاء والكرماء... ان كثيرا من عليّة البشر، وذوي الجاه والنفوذ والثروة فيهم، لم يظفروا بمعشار الخلود الذي ظفر به بلال العبد الحبشي.. بل ان كثيرا من أبطال التاريخ لم ينالوا من الشهرة التاريخية بعض الذي ناله بلال.. ان سواد بشرته، وتواضع حسبه ونسبه، وهوانه على الناس كعبد رقيق، لم يحرمه حين آثر الاسلام دينا، من أن يتبوأ المكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه، وطهره، وتفانيه.. ان ذلك كله لم يكن له في ميزان تقييمه وتكريمه أي حساب، الا حساب الدهشة حين توجد العظمة في غير مكانها.. فلقد كان الناس يظنون أن عبدا مثل بلال، ينتمي الى أصول غريبة.. ليس له أهل، ولا حول، ولا يملك من حياته شيئا، فهو ملك لسيّده الذي اشتراه بماله.. يروح ويغدو وسط شويهات سيده وابله وماشيته.. كانوا يظنون أن مثل هذا الكائن، لا يمكن أن يقدر على شيء ولا أن يكون شيئا.. ثم اذا هو يخلف الظنون جميعا، فيقدر على ايمان، هيهات أن يقدر على مثله سواه.. ثم يكون أول مؤذن للرسول والاسلام العمل الذي كان يتمناه لنفسه كل سادة قريش وعظمائها من الذين أسلموا واتبعوا الرسول. أجل.. بلال بن رباح أيّة بطولة.. وأيّة عظمة تعبر عنها هذه الكلمات الثلاث بلال ابن رباح أجل انه ليسمعهم يعجبون، ويحارون، في هذا الذي جاء به محمد ويقول بعضهم لبعض: ما كان محمد يوما كاذبا. ولا ساحرا..ولا مجنونا.. وان لم يكن لنا بد من وصمه اليوم بذلك كله، حتى نصدّ عنه الذين سيسارعون الى دينه سمعهم يتحدّثون عن أمانته عن وفائه عن رجولته وخلقه عن نزاهته ورجاحة عقله وسمعهم يتهامسون بالأسباب التي تحملهم على تحديّه وعداوته، تلك هي: ولاؤهم لدين آبائهم أولا. والخوف على مجد قريش ثانيا، ذلك المجد الذي يفيئه عليها مركزها الديني، كعاصمة للعبادة والنسك في جزيرة العرب كلها، ثم الحقد على بني هاشم، أن يخرج منهم دون غيرهم نبي ورسول . وذات يوم يبصر بلال ب رباح نور الله، ويسمع في أعماق روحه الخيّرة رنينه، فيذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسلم ولا يلبث خبر اسلامه أن يذيع.. وتدور الأرض برؤوس أسياده من بني جمح.. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أميّة بن خلف الذي رأى في اسلام عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جميعا بالخزي والعار . . عبدهم الحبشي يسلم ويتبع محمد..؟! ويقول أميّة لنفسه: ومع هذا فلا بأس.. ان شمس هذا اليوم لن تغرب الا ويغرب معها اسلام هذا العبد الآبق ولكن الشمس لم تغرب قط باسلام بلال بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها، وحماة الوثنية فيها أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفا للاسلام وحده، وان كان الاسلام أحق به، ولكنه شرف للانسانية جميعا لقد صمد لأقسى الوان التعذيب صمود البرار العظام. ولكأنما جعله الله مثلا على أن سواد البشرة وعبودية الرقبة لا ينالان من عظمة الروح اذا وجدت ايمانها، واعتصمت بباريها، وتشبثت بحقها.. لقد أعطى بلال درسا بليغا للذين في زمانه، وفي كل مان، للذين على دينه وعلى كل دين درسا فحواه أن حريّة الضمير وسيادته لا يباعان بملئ الأرض ذهبا، ولا بملئها عذابا لقد وضع عريانا فوق الجمر، على أن يزيغ عن دينه، أو يزيف اقتناعه فأبى لقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام، والاسلام، من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذا للبشرية كلها في فن احترام الضمير، والدفاع عن حريته وسيادته لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى جهنم قاتلة.. فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان، ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال، ويلقون به فوق جسده وصدره ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم، حتى رقّت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جلاديه، فرضوا آخر الأمر أن يخلوا سبيله، على أن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم، ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم واصراره ولكن حتى هذه الكلمة الواحدة العابرة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه، ويشتري بها حياته دون أن يفقد ايمانه، ويتخلى عن اقتناعه حتى هذه الكلمة الواحدة رفض بلال أن يقولها . نعم لقد رفض أن يقولها، وصار يردد مكانها نشيده الخالد : أحد أحد يقولون له: قل كما نقول كذا وكذا فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية:ان لساني لا يحسنه ويظل بلال في ذوب الحميم وصخره، حتى اذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها. وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس : أحد أحد وكأني اذا جنّ عليهم الليل يساومونه : غدا قل كلمات خير في آلهتنا، قل ربي اللات والعزى، لنذرك وشأتك، فقد تعبنا من تعذيبك، حتى لكأننا نحن المعذبون فيهز رأسه ويقول: أحد.. أحد.. ويلكزه أمية بن خلف وينفجر غمّا وغيظا، ويصيح: أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء..؟ واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلا. ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس : أحد.. أحد.. ويعود للحديث والمساومة، من وكل اليه تمثيل دور المشفق عليه، فيقول: خل عنك يا أميّة.. واللات لن يعذب بعد اليوم، ان بلال منا أمه جاريتنا، وانه لن يرضى أن يجعلنا باسلامه حديث قريش وسخريّتها.. ويحدّق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة، ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر، ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالا : أحد.. أحد.. وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة، ويؤخذ بلال الى الرمضاء، وهو صابر محتسب، صامد ثابت. ويذهب اليهم أبو بكر الصديق وهو يعذبونه، ويصيح بهم: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟؟ ثم يصيح في أميّة بن خلف: خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا.. وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة.. لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره اذ كان اليأس من تطويع بلال قد بلغ في في نفوسهم أشده، ولأنهم كانوا من التجار، فقد ادركوا ان بيعه أربح لهم من موته باعوه لأبي بكر الذي حرّره من فوره، وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار... وحين كان الصدّيق يتأبط ذراع بلال منطلقا به الى الحرية قال له أمية : خذه، فواللات والعزى، لو أبيت الا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتك إياه وفطن أبو بكر لما في هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة الأمل وكان حريّا بألا يجيبه.. ولكن لأن فيها مساسا بكرامة هذا الذي قد صار أخا له، وندّا،أجاب أمية قائلا: والله لو أبيتم أنتم الا مائة أوقية لدفعتها وانطلق بصاحبه الى رسول الله يبشره بتحريره.. وكان عيدا عظيما وبعد هجرة الرسول والمسلمين الى المدينة، واستقرارهم بها، يشرّع الرسول للصلاة أذانها.. فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم..؟ وتصدح عبر الأفق تكبيراته وتهليلاته..؟ انه بلال.. الذي صاح منذ ثلاث عشرة سنة والعذاب يهدّه ويشويه أن : الله أحد..أحد . لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للاسلام. وبصوته النديّ الشجيّ مضى يملأ الأفئدة ايمانا، والأسماع روعة وهو ينادى للآذان . ونشب القتال بين المسلمين وجيش قريش الذي قدم الى المدينة غازيا.. وتدور الحرب عنيفة قاسية ضارية..وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الاسلام، غزوة بدر.. تلك الغزوة التي أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعارها: أحد..أحد . في هذه الغزوة ألقت قريش بأفلاذ أكبادها، وخرج أشرافها جميعا لمصارعهم ولقد همّ بالنكوص عن الخروج "أمية بن خلف" .. هذا الذي كان سيدا لبلال، والذي كان يعذبه في وحشيّة قاتلة.. ثم لم يجد بدّا من الخروج مع الغزاة بعد أن شهر به صديقه عبقة بن معيط فخرج أيّة أسرار للقدر، يطويها وينشرها..؟ لقد كان عقبة بن أبي معيط أكبر مشجع لأمية على تعذيب بلال، وغير بلال من المسلمين المستضعفين.. واليوم هو نفسه الذي يغريه بالخروج الى غزوة بدر التي سيكون فيها مصرعه كما سيكون فيها مصرع عقبة أيضا لقد كان أمية من القاعدين عن الحرب.. ولولا تشهير عقبة به على هذا النحو الذي رأيناه لما خرج ولكن الله بالغ أمره، فليخرج أمية فان بينه وبين عبد من عباد الله حسابا قديما، جاء أوان تصفيته، فالديّان لا يموت، وكما تدينون تدانون وان القدر ليحلو له أن يسخر بالجبارين.. فعقبة الذي كان أمية يصغي لتحريضه، ويسارع اى هواه في تعذيب المؤمنين الأبرياء، هو نفسه الذب سيقود أميّة الى مصرعه.. وبيد من..؟ بيد بلال نفسه.. وبلال وحده نفس اليد التي طوّقها أميّة بالسلاسل، وأوجع صاحبها ضربا، وعذابا.. مع هذه اليد ذاتها، هي اليوم، وفي غزوة بدر، على موعد أجاد القدر توقيته، مع جلاد قريش الذي أذل المؤمنين بغيا وعدوا.. ولقد حدث هذا تماما.. وحين بدأ القتال بين الفريقين، وارتج جانب المعركة من قبل المسلمين بشعارهم: أحد.. أحد انخلع قلب أمية، وجاءه النذيران الكلمة التي كان يرددها بالأمس عبد تحت وقع العذاب والهول قد صارت اليوم شعار دين بأسره وشعار الأمة الجديدة كلها أحد..أحد أهكذا..؟ وبهذه السرعة.. وهذا النمو العظيم..؟؟ وتلاحمت السيوف وحمي القتال.. وبينما المعركة تقترب من نهايتها، لمح أمية بن خلف" عبد الرحمن بن عوف" صاحب رسول الله، فاحتمى به، وطلب اليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته وقبل عبد الرحمن عرضه وأجاره، ثم سار به وسط المعمعة الى مكان الأسرى وفي الطريق لمح بلال فصاح قائلا: "رأس الكفر أميّة بن خلف.. لا نجوت ان نجا". ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي لطالما أثقله الغرور والكبر، فصاح به عبد الرحمن بن عوف: أي بلال.. انه أسيري أسير والحرب مشبوبة دائرة..؟ أسير وسيفه يقطر دما مما كان يصنع قبل لحظة في أجساد المسلمين..؟ لا.. ذلك في رأي بلال ضحك بالعقول وسخرية.. ولقد ضحك أمية وسخر بما فيه الكفاية.. سخر حتى لم يترك من السخرية بقية يدخرها ليوم مثل هذا اليوم، وهذا المأ**، وهذا المصير.. ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين عبد الرحمن بن عوف، فصاح بأعلى صوته في المسلمين: يا أنصار الله.. رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت ان نجا.! وأقبلت كوكبة من المسلمين تقطر سيوفهم المنايا، وأحاطت بأمية وابنه ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا.. بل لم يستطع أن يحمي أذراعه التي بددها الزحام. وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف القاصفة نظرة طويلة، ثم هرول عنه مسرعا وصوته النديّ يصيح : أحد.. أحد.. لا أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلال في مثل هذا المقام فلو أن اللقاء بين بلال وأمية تمّ في ظروف أخرى، لجازنا أن نسال بلال حق التسامح، وما كان لرجل في مثل ايمانه وتقاه أن يبخل به لكن اللقاء الذي تم بينهما، كان في حرب، جاءها كل فريق ليفني غريمه السيوف تتوهج.. والقتلى يسقطون.. والمنايا تتواثب، ثم يبصر بلال أمية الذي لم يترك في جسده موضع أنملة الا ويحمل آثار تعذيب وأين يبصره وكيف..؟ يبصره في ساحة الحرب والقتال يحصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس المسلمين، ولو أدرك رأس بلال ساعتئذ لطوّح به في ظروف كهذه يلتقي الرجلان فيها، لا يكون من المنطق العادل في شيء أن نسأل بلال : لماذا لم يصفح الصفح الجميل وتمضي الأيام وتفتح مكة.. ويدخلها الرسول شاكرا مكبرا على رأس عشرة آلاف من المسلمين.. ويتوجه الى الكعبة رأسا.. هذا المكان المقدس الذي زحمته قريش بعدد أيام السنة من الأصنام لقد جاء الحق وزهق الباطل.. ومن اليوم لا عزى.. ولا لات.. ولا هبل.. لن يجني الانسان بعد اليوم هامته لحجر، ولا وثن.. ولن يعبد الناس ملئ ضمائرهم الا الله الي ليس كمثله شيء، الواحد الأحد، الكبير المتعال.. ويدخل الرسول الكعبة، مصطحبا معه بلال ولا يكاد يدخلها حتى يواجه تمثالا منحوتا، يمثل ابراهيم عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، فيغضب الرسول ويقول: قاتلهم الله.. ما كان شيخنا يستقسم بالأزلام.. ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين .. ويأمر بلال أن يعلو ظهر المسجد، ويؤذن ويؤذن بلال.. فيالروعة الزمان، والمكان، والمناسبة كفت الحياة في مكة عن الحركة، ووقفت الألوف المسلمة كالنسمة الساكنة، تردد في خشوع وهمس كلمات الآذان وراء بلال والمشركون في بيوتهم لا يكادون يصدقون :
أهذا هو محمد وفقراؤه الذين أخرجوا بالأمس من هذا الديار.؟ أهذا هو حقا، ومعه عشرة آلاف من المؤمنين..؟؟ أهذا هو حقا الذي قاتلناه، وطاردناه ، وقتلنا أحب الناس اليه..؟ أهذا هو حقا الذي كان يخاطبنا من لحظات ورقابنا بين يديه، ويقول لنا : اذهبوا فأنتم الطلقا
ولكن ثلاثة من أشراف قريش، كانوا جلوسا بفناء الكعبة، وكأنما يلفحهم مشهد بلال وهو يدوس أصنامهم بقدميه، ويرسل من فوق ركامها المهيل صوته بالأذان المنتشر في آفاق مكة كلها كعبير الربيع.. أما هؤلاء الثلاثة فهم، أبوسفيان بن حرب، وكان قد أسلم منذ ساعات، وعتّاب بن أسيد، والحارث بن هشام، وكانا لم يسلما بعد قال عتاب وعينه على بلال وهو يصدح بأذانه : لقد أكرم الله اسيدا، ألا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث : أما والله لو أعلم أن محمدا محق لاتبعته وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائلا : اني لا أقول شيئا، فلو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى وحين غادر النبي الكعبة رآهم، وقرأ وجوههم في لحظة، قال وعيناه تتألقان بنور الله، وفرحة النصر: قد علمت الذي قلتم ومضى يحدثهم بما قالوا فصاح الحارث وعتاب نشهد أنك رسول الله، والله ما سمعنا أحد فنقول أخبرك واستقبلا بلال بقلوب جديدة..في أفئدتهم صدى الكلمات التي سمعوها في خطاب الرسول أول دخول مكة : يامعشر قريش ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب.. وعاش بلال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشهد معه المشاهد كلها، يؤذن للصلاة، ويحيي ويحمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات الى النور، ومن الرق الى الحريّة وعلا شأن الاسلام، وعلا معه شأن المسلمين، وكان بلال يزداد كل يوم قربا من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يصفه بأنه : رجل من أهل الجنة .. لكن بلال بقي كما هو كريما متواضعا، لا يرى نفسه الا أنه: الحبشي الذي كان بالأمس عبدا ذهب يوما يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما : أنا بلال، هذا أخي عبدان من الحبشة.. كنا ضالين فهدانا الله.. وكنا عبدين فأعتقنا الله.. ان تزوّجونا فالحمد لله.. وان تمنعونا فالله أكبر.. وذهب الرسول الى الرفيق الأعلى راضيا مرضيا، ونهض بأمر المسلمين من بعده خليفته أبو بكر الصديق.. وذهب بلال الى خليفة رسول الله يقول له : يا خليفة رسول الله.. اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل عمل لمؤمن الجهاد في سبيل الله.. فقال له أبو بكر: فما تشاء يا بلال..؟ قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت.. قال أبو بكر ومن يؤذن لنا؟ قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع، اني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله. قال أبو بكر: بل ابق وأذن لنا يا بلال قال بلال: ان كنت أعتقتني لأكون لك فليكن لك ما تريد. وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له قال أبو بكر: بل أعتقتك لله يا بلال ويختلف الرواة، فيروي بعضهم أنه سافر الى الشام حيث بقي فيها مجاهدا مرابطا ويروي بعضهم الآخر، أنه قبل رجاء أبي بكر في أن يبقى معه بالمدينة، فلما قبض وولي عمر الخلافة استأذنه وخرج الى الشام على أية حال، فقد نذر بلال بقية حياته وعمره للمرابطة في ثغور الاسلام، مصمما أن يلقى الله ورسوله وهو على خير عمل يحبانه ولم يعد يصدح بالأذان بصوته الشجي الحفيّ المهيب، ذلك أنه لم ينطق في أذانه "أشهد أن محمدا رسول الله" حتى تجيش به الدموع فيختفي صوته تحت وقع أساه، وتصيح بالكلمات دموعه وعبراته وكان آخر أذان له أيام زار أمير المؤمنين عمر وتوسل المسلمون اليه أن يحمل بلال على أن يؤذن لهم صلاة واحدة ودعا أمير المؤمنين بلال، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها وصعد بلال وأذن.. فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له.. بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا.. وكان عمر أشدهم بكاء . وعندما رجع للشام وأمضى بها بقية حياته ألم به المرض أياما وهو لا يزال صابرا قانتا لله وكانت إبنته عند رأسه وهو ينازع وتصيح وتقول وامصيبتاه واأبتاه وامصيبتاه واأبتاه فرد عليها قائلا : بل قولي وافرحتاه غدا ألقى الأحبة محمد وصحبه ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد وتحت ثرى دمشق يثوي اليوم رفات رجل من أعظم رجال البشر صلابة في الوقوف الى جانب العقيدة والاقتناع . | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:14 am | |
| خباب بن الأرت ( أستاذ في الفداء )
خرج نفر من القرشيين، يغدّون الخطى، ميممين شطر دار خبّاب ليتسلموا منه سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها وقد كان خباب سيّافا، يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة، ويرسل بها الى الأسواق وعلى غير عادة خبّاب الذي لا يكاد يفارق بيته وعمله، لم يجده ذلك النفر من قريش فجلسوا ينتظرونه وبعد حين طويل جاء خباب على وجهه علامة استفهام مضيئة، وفي عينيه دموع مغتبطة.. وحيّا ضيوفه وجلس وسألوه عجلين: هل أتممت صنع السيوف يا خباب؟؟ وجفت دموع خباب، وحل مكانها في عينيه سرور متألق، وقال وكأنه يناجي نفسه: ان أمره لعجب وعاد القوم يسألونه: أي أمر يا رجل..؟؟ نسألك عن سيوفنا، هل أتممت صنعها..؟؟ ويستوعبهم خبّاب بنظراته الشاردة الحالمة ويقول : هل رأيتموه..؟ هل سمعتم كلامه..؟ وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب ويعود أحدهم فيسأله في خبث :
هل رأيته أنت يا خبّاب..؟؟ ويسخر خبّاب من مكر صاحبه، فيردّ عليه السؤال قائلا : من تعني..؟ ويجيب الرجل في غيظ: أعني الذي تعنيه..؟ ويجيب خبّاب بعد اذ أراهم أنه أبعد منالا من أن يستدرج، وأنه اعترف بايمانه الآن أمامهم، فليس لأنهم خدعوه عن نفسه، واستدرجوا لسانه، بل لأنه رأى الحق وعانقه، وقرر أن يصدع به ويجهريجيبهم قائلا، وهو هائم في نشوته وغبطة روحه : أجل... رأيته، وسمعته.. رأيت الحق يتفجر من جوانبه، والنور يتلألأ بين ثناياه. وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون، فصاح به أحدهم : من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أمّ أنمار..؟؟ وأجاب خبّاب في هدوء القديسين : ومن سواه، يا أخا العرب.. من سواه في قومك، من يتفجر من جوانبه الحق، ويخرج النور بين ثناياه..؟! وصاح آخر وهبّ مذعورا : أراك تعني محمدا.. وهز خبّاب رأسه المفعم بالغبطة، وقال: نعم انه هو رسول الله الينا، ليخرجنا من الظلمات الى االنور ولا يدري خبّاب ماذا قال بعد هذه الكلمات، ولا ماذا قيل له كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليرى زوّاره قد انفضوا.. وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما، ودمه النازف يضمّخ ثوبه وجسده..!! وحدّقت عيناه الواسعتان فيما حوله.. وكان المكان أضيق من أن يتسع لنظراتهما النافذة، فتحمّل على آلامه، ونهض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها، وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة تحدّقان في الأفق، وتدوران ذات اليمين وذات الشمال..انهما لا تقفان عند الأبعاد المألوفة للناس.. انهما تبحثان عن البعد المفقود...أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته، وفي حياة الناس الذين معه في مكة، والناس في كل مكان وزمان.. ترى هل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم، هو النور الذي يهدي الى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة..؟؟ واستغرق خبّاب في تأمّلات سامية، وتفكير عميق.. ثم عاد الى داخل داره.. عاد يضمّد جراح جسده، ويهيء لاستقبال تعذيب جديد ، وآلام جديدة..!! ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين.. أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم، وضعفهم يواجهون كبرياء قريش وعنفها وجنونها أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت تخفق في الأفق الرحيب ناعية عصر الوثنية، والقيصرية.. مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين، الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل، وأذاقوهم الحرمان والعذاب وفي استبسال عظيم، حمل خبّاب تبعاته كرائد يقول الشعبي : لقد صبر خبّاب، ولم تلن له أيدي الكفار قناة، فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه أجل كان حظ خبّاب من العذاب كبيرا، ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب.. لقد حوّل كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خبّاب والذي كان يصنع منه السيوف.. حولوه كله الى قيود وسلاسل، كان يحمى عليها في النار حتى تستعر وتتوهج، ثم يطوّق بها جسده ويداه وقدماه ولقد ذهب يوما مع بعض رفاقه المضطهدين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا موجوعين من التضحية، بل راجين العافية، فقالوا:" يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا..؟؟ أي تسأل الله لنا النصر والعافية. ولندع خبّابا يروي لنا النبأ بكلماته: " شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا..؟؟ فجلس صلى الله عليه وسلم، وقد احمرّ وجهه وقال: قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل، فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بمنشار، فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون . سمع خبّاب ورفاقه هذه الكلمات، فازداد ايمانهم واصرارهم وقرروا أن يري كل منهم ربّه ورسوله ما يحبّان من تصميم وصبر، وتضحية. وخاض خبّاب معركة الهول صابرا، صامدا، محتسبا.. واستنجد القرشيون أم أنمار سيدة خبّاب التي كان عبدا لها قبل أن تعتقه، فأقبلت واشتركت في حملة تعذيبه.. وكانت تأخذ الحديد المحمى الملتهب، وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخبّاب يتلوى من الألم، لكنه يكظم أنفاسه، حتى لا تخرج منه زفرة ترضي غرور جلاديه ومرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، والحديد المحمّى فوق رأسه يلهبه ويشويه، فطار قلبه حنانا وأسى، ولكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومها لخبّاب..؟ لا شيء الا أن يثبته ويدعو له هنالك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم كفيه المبسوطتين الى السماء، وقال: اللهم أنصر خبّابا ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قصاص عاجل، كأنما جعله القدر نذيرا لها ولغبرها من الجلادين، ذلك أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول المؤرخون تعوي مثل ال**** وقيل لها يومئذ لا علاج سوى أن يكوى رأسها بالنار. وهكذا شهد رأسها العنيد سطوة الحديد المحمّى يصبّحه ويمسّيه.
كانت قريش تقاوم الايمان بالعذاب.. وكان المؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية.. وكان خبّاب واحدا من أولئك الذين اصطفتهم المقادير لتجعل منهم أساتذة في فن التضحية والفداء.. ومضى خبّاب ينفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقت أعلامه.. ولم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة، بل استثمر قدرته على التعليم، فكان يغشى بيوت بعض اخوانه من المؤمنين الذين يكتمون اسلامهم خوفا من بطش قريش، فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم اياه. ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية.. وسورة، سورة حتى ان عبدالله بن مسعود، وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل، فليقراه بقراءة ابن أم عبد.. نقول: حتى عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة.. وهو الذي كان يدرّس القرآن لـ فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الاسلام ورسوله، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلّم منها خبّاب، حتى صاح صيحته المباركة : دلوني على محمد وسمع خبّاب كلمات عمر هذه، فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح : يا عمر والله اني لأرجوا أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم، فاني سمعته بالأمس يقول: اللهم أعز الاسلام بأحبّ الرجلين اليك.. أبي الحكم بن هشام، وعمربن الخطاب وسأله عمر من فوره: وأين أجد الرسول الآن يا خبّاب: " عند الصفا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم".. ومضى عمر الى حظوضه الوافية، ومصيره العظيم.. شهد خبّاب بن الأرت جميع المشاهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش عمره كله حفيظا على ايمانه ويقينه وعندما فاض بيت مال لمسلمين بالمال أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، كان خبّاب صاحب راتب كبير بوصفه من المهاجرين السابقين الى الاسلام وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخبّاب أن يبتني له دارا بالكوفة، وكان يضع أمواله في مكان ما من الدار يعرفه أصحابه وروّاده.. وكل من وقعت عليه حاجة، يذهب فيأخذ من المال حاجته. ومع هذا فقد كان خبّاب لا يرقأ له جفن، ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الذين بذلوا حياتهم لله، ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين، وتكثر في أيديهم الأموال اسمعوه وهو يتحدث االى عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي الله عنه في مرض موته.
قالوا له : أبشر يا أبا عبدالله، فانك ملاقي اخوانك غدا.. فأجابهم وهو يبكي : " أما انه ليس بي جزع .. ولكنكم ذكّرتموني أقواما، واخوانا، مضوا بأجورهم كلها لم ينالوا من الدنيا شيئا وانّا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا الا التراب".. وأشار الى داره المتواضعة التي بناها. ثم أشار مرة أخرى الى المكان الذي فيه أمواله وقال : والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها من سائل ثم التفت الى كنفه الذي كان قد أعدّ له، وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل : أنظروا كفني هذا لكنّ حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد له كفن يوم استشهد الا بردة ملحاء.... اذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه
ومات خبّاب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة.. مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية.. وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الاسلام. مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم، ويحييهم، عندما طلب بعض السادة من قريش أن يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، وللفراء من أمثال :خبّاب، وصهيب، وبلال يوما آخر . فاذا القرآن العظيم يختص رجال الله هؤلاء في تمجيد لهم وتكريم، وتهل آياته قائلة للرسول الكريم: ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا: أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟! أليس الله بأعلم بالشاكرين واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا، فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة )
وهكذا، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم بعد نزول الآيات حتى يبالغ في اكرامهم فيفرش لهم رداءه، ويربّت على أكتافهم، ويقول لهم : أهلا بمن أوصاني بهم ربي أجل.. مات واحد من الأبناء البررة لأيام الوحي، وجيل التضحية ولعل خير ما نودّعه به، كلمات الامام علي كرّم الله وجهه حين كان عائدا من معركة صفين، فوقعت عيناه على قبر غضّ رطيب، فسأل: قبر من هذا..؟ فأجابوه: انه قبر خبّاب فتملاه خاشعا آسيا، وقال: رحم الله خبّابا لقد أسلم راغبا.وهاجر طائعا وعاش مجاهدا.. | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:15 am | |
| زيـد بن حـارثـه ( حب رسول الله )
وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع جيش الاسلام الذاهب لملاقاة الروم في غزوة مؤتة ويعلن أسماء أمراء الجيش الثلاثة، قائلا : عليكم زيد بن حارئة.. فان أصيب زيد فجعفر بن أبي طاب.. فان أصيب جعفر، فعبدالله بن رواحة فمن هو زيد بن حارثة"..؟؟ من هذا الذي حمل دون سواه لقب الحبّ.. حبّ رسول الله..؟ أمّا نبؤه، فعظيم جدّ عظيم..!! أعدّ حارثة أبو زيد الراحلة والمتاع لزوجته سعدى التي كانت تزمع زيارة أهلها في بني معن. وخرج يودع زوجته التي كانت تحمل بين يديها طفلهما الصغير زيد بن حارثة، وكلما همّ أن يستودعهما القافلة التي خرجت الزوجة في صحبتها ويعود هو الى داره وعمله، ودفعه حنان خفيّ وعجيب لمواصلة السير مع زوجته وولده.. لكنّ الشقّة بعدت، والقافلة أغذّت سيرها، وآن لحارثة أن يودّع الوليد وأمّه، ويعود.. وكذا ودّعهما ودموعه تسيل.. ووقف طويلا مسمرا في مكانه حتى غابا عن بصره، وأحسّ كأن قلبه لم يعد في مكانه.. كأنه رحل مع الراحلين ومكثت سعدى في قومها ما شاء الله لها أن تمكث.. وذات يوم فوجئ الحيّ، حي بني معن، باحدى القبائل المناوئة له تغير عليه، وتنزل الهزيمة ببني معن، ثم تحمل فيما حملت من الأسرى ذلك الطفل اليفع، زيد بن حارثة وعادت الأم الى زوجها وحيدة ولم يكد حارثة يعرف النبأ حتى خرّ صعقا، وحمل عصاه على كاهله، ومضى يجوب الديار، ويقطع الصحارى، ويسائل القبائل والقوافل عن ولده وحبّة قلبه زيد، مسايّرا نفسه، وحاديا ناقته بهذا الشعر الذي راح ينشده من بديهته ومن مآقيه :
بكيت على زيد ولم ادر ما فعل أحيّ فترجى؟ أم أتى دونه الأجل فوالله ما أدري، واني لسائل أغالك بعدي السهل؟ أم غالك الجبل تذكرينه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه اذا غرب نورهها أفل وان هبّت الأرواح هيّجن ذكره فيا طول حزني عليه، ويا وجل
كان الرّق في ذلك الزمان البعيد يفرض نفسه كظرف اجتماعي يحاول أن يكون ضرورة.. كان ذلك في أثينا، حتى في أزهى عصور حريّتها ورقيّها.. وكذلك كان في روما.. وفي العالم القديم كله.. وبالتالي في جزيرة العرب أيضا.. وعندما اختطفت القبيلة المغيرة على بني معن نصرها، وعادت حاملة أسراها، ذهبت الى سوق عكاظ التي كانت منعقدة أنئذ، وباعوا الأسرى..
ووقع الطفل زيد في يد حكيم بن حزام الذي وهبه بعد أن اشتراه لعمته خديجة. وكانت خديجة رضي الله عنها، قد صارت زوجة لمحمد بن عبدالله، الذي لم يكن الوحي قد جاءه بعد. بيد أنه كان يحمل كل الصفات العظيمة التي أهلته بها الأقدار ليكون غدا من المرسلين.. ووهبت خديجة بدورها خادمها زيد لزوجها رسول اله فتقبله مسرورا وأعتقه من فوره،وراح يمنحه من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبير كل عطف ورعاية.. وفي أحد مواسم الحج. التقى نفر من حيّ حارثة بزيد في مكة، ونقلوا اليه لوعة والديه، وحمّلهم زيد سلامه وحنانه وشوقه لأمه وأبيه، وقال للحجّاج من قومه" أخبروا أبي أني هنا مع أكرم والد .. ولم يكن والد زيد يعلم مستقر ولده حتى أغذّ السير اليه، ومعه أخوه.. وفي مكة مضيا يسألان عن محمد الأمين.. ولما لقياه قالا له : يا بن عبدالمطلب.. يا ابن سيّد قومه، أنتم أهل حرم، تفكون العاني، وتطعمون الأسير.. جئناك في ولدنا، فامنن علينا وأحسن في فدائه .. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم تعلق زيد به، وكان في نفس الوقت يقدّر حق ابيه فيه.. هنالك قال حارثة : ادعوا زيدا، وخيّروه، فان اختاركم فهو لكم بغير فداء.. وان اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء وتهلل وجه حارثة الذي لم يكن يتوقع كل هذا السماح وقال: لقد أنصفتنا، وزدتنا عن النصف.. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم الى زيد، ولما جاء سأله: هل تعرف هؤلاء .؟ قال زيد: نعم.. هذا أبي.. وهذا عمّي. وأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قاله لحارثة.. وهنا قال زيد : ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت الأب والعم ثم أمسك بيد زيد، وخرج به الى فناء الكعبة، حيث قريش مجتمعة هناك، ونادى الرسول اشهدوا أن زيدا ابني.. يرثني وأرثه وكاد قلب حارثة يطير من الفرح.. فابنه لم يعد حرّا فحسب، بل وابنا للرجل الذي تسمّيه قريش الصادق الأمين سليل بني هاشم وموضع حفاوة مكة كلها.. وعاد الأب والعم الى قومهما، مطمئنين على ولدهما والذي تركاه سيّدا في مكة، آمنا معافى، بعد أن كان أبوه لا يدري: أغاله السهل، أم غاله الجبل.. تبنّى الرسول زيدا.. وصار لا يعرف في مكة كلها الا باسمه هذا زيد بن محمد.. وفي يوم باهر الشروق، نادى الوحي محمدا: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علّم الانسان ما لك يعلم)... ثم تتابعت نجاءاته وكلماته:
( يأأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر )) (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله يعصمك من الناس، ان الله لايهدي القوم الكافرين)... وما ان حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعة الرسالة حتى كان زيد ثاني المسلمين.. بل قيل انه كان أول المسلمين أحبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا عظيما، وكان بهذا الحب خليقا وجديرا.. فوفاؤه الذي لا نظير له، وعظمة روحه، وعفّة ضميره ولسانه ويده... كل ذلك وأكثر من ذلك كان يزين خصال زيد بن حارثة أو زيد الحبّ كما كان يلقبه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.. تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها: ما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في جيش قط الا أمّره عليهم، ولو بقي حيّا بعد رسول الله لا أستخلفه الى هذا المدى كانت منزلة زيد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فمن كان زيد هذا..؟؟ انه كما قلنا ذلك الطفل الذي سبي، ثم بيع، ثم حرره الرسول وأعتقه.. ومن ثم وجد له في الاسلام، وفي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى منزلة وأرفع مكان، فلا الاسلام ولا رسوله من يعبأ لحظه بجاه النسب، ولا بوجاهة المظهر. ففي رحاب هذا الدين العظيم، يتألق بلال، ويتألق صهيب، ويتألق عمار وخبّاب وأسامة وزيد...يتألقون جميعا كأبرار وقادة..
لقد صحح الاسلام ، قيم الحياة حين قال في كتابه الكريم: ( انّ أكرمكم عند الله أتقاكم)... وفتح الأبواب والرحاب للمواهب الخيّرة، وللكفايات النظيفة، الأمينة، المعطية.. وزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا من ابنة عمته زينب، ويبدو أن زينب رضي الله عنها قد قبلت هذا الزواج تحت وطأة حيائها أن ترفض شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ترغب بنفسها عن نفسه.. ولكن الحياة الزوجية أخذت تتعثر، وتستنفد عوامل بقائها، فانفصل زيد عن زينب. وحمل الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤوليته تجاه هذا الزواج الذي كان مسؤولا عن امضائه، والذي انتهى بالانفصال، فضمّ ابنة عمته اليه واختارها زوجة له، ثم اختار لزيد زوجة جديدة هي أم كلثوم بنت عقبة وذهب المرجفون في المدينة يتسألون : كيف يتزوّج محمد مطلقة ابنه زيد؟؟ فأجابهم القرآن مفرّقا بين الأدعياء والأبنياء.. بين التبني والبنّوة، ومقررا الغاء عادة التبني، ومعلنا : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبين. وهكذا عاد لزيد اسمه الأول: زيد بن حارثة. الآن.. هل ترون هذه القوات المسلمة الخارجة الى معارك، الطرف، أو العيص، وحسمي، وغيرها.. ان أميرها جميعا، هو زيد بن حارثة.. فهو كما سمعنا السيدة عائشة رضي الله عنها تقول:" لم يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في جيش قط، الا جعله أميرا على هذا الجيش حتى جاءت غزوة مؤتة.. كان الروم بأمبراطوريتهم الهرمة، قد بدأوا يوجسون من الاسلام خيفة..بل صاروا يرون فيها خطرا يهدد وجودهم، ولا سيما في بلاد الشام التي يستعمرونها، والتي تتاخم بلاد هذا الدين الجديد، المنطلق في عنفوان واكتساح..
وهكذا راحوا يتخذون من الشام نقطة وثوب على الجزيرة العربية، وبلاد الاسلام... وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدف المناوشات التي بدأها الروم ليعجموا بها عود الاسلام، فقرر أن يبادرهم، ويقنعهم بتصميم الاسلام الى أرض البلقاء بالشام، حتى اذا بلغوا تخومها لقيتهم جيوش هرقل من الروم ومن القبائل المستعربة التي كانت تقطن الحدود.. ونزل جيش الروم في مكان يسمّى مشارف.. في حين نزل جيش الاسلام يجوار بلدة تسمّى مؤتة، حيث سمّيت الغزوة باسمها... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أهمية هذه الغزوة وخطرها فاختار لها ثلاثة من الرهبان في الليل، والفرسان في النهار.. ثلاثة من الذين باعوا أنفسهم لله فلم يعد لهم مطمع ولا أمنية الا في استشهاد عظيم يصافحون اثره رضوان الله تعالى، ويطالعون وجهه الكريم.. وكان هؤلاء الثلاثة وفق ترتيبهم في امارة الجيش هم:
زيد بن حارثة، جعفر بن أبي طالب، عبدالله بن رواحة.
رضي الله عنهم وأرضاهم، ورضي الله عن الصحابة أجمعين... وهكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقف يودّع الجيش يلقي أمره السالف: عليكم زيد بن حارثة.. فان أصيب زيد، فجعفر بن أبي طالب،... فان أصيب جعفر، فعبدالله بن رواحة"... وعلى الرغم من أن جعفر بن أبي طالب كان من أقرب الناس الى قلب ابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وعلى الرغم من شجاعته، وجسارته، وحسبه ونسبه، فقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمير التالي لزيد، وجعل زيدا الأمير الأول للجيش... وبمثل هذا، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر دوما حقيقة أن الاسلام دين جديد جاء يلغي العلاقات الانسانية الفاسدة، والقائمة على أسس من التمايز الفارغ الباطل، لينشئ مكانها علاقات جديدة، رشيدة، قوامها انسانية الانسان. ولكأنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ غيب المعركة المقبلة حين وضع امراء الجيش على هذا الترتيب: زيد فجعفر، فابن رواحة.. فقد لقوا ربّهم جميعا وفق هذا الترتيب أيضا. ولم يكد المسلمون يطالعون جيش الروم الذي حزروه بمائتي ألف مقاتل حتى أذهلهم العدد الذي لم يكن لهم في حساب.. ولكن متى كانت معارك الايمان معارك كثرة..؟؟ هنالك أقدموا ولم يبالوا.. وأمامهم قائدهم زيد حاملا راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقتحما رماح العدو بنباله وسيوفه، لا يبحث عن النصر، بقدر ما يبحث عن المضجع الذي ترسو عنده صفقته مع الله الذي اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. لم يكن زيد يرى حواليه رمال البلقاء، ولا جيوش الروم بل كانت روابي الجنة، ورفرفها الأخضر، تخفق أمام عينيه كالأعلام، تنبئه أن اليوم يوم زفافه..
وكان هو يضرب، ويقاتل، لا يطوّح رؤوس مقاتليه، انما يفتح الأبواب، ويفضّ الأغلاق التي تحول بينه وبين الباب الكبير الواسع، الذي سيدخل منه إلى دار السلام جنات الخلد بجوار الله تعالى وعانق زيد مصيره... وكانت روحه وهي في طريقها الى الجنة تبتسم محبورة وهي تبصر جثمان صاحبها، لا يلفه الحرير الناعم، بل يضخّمه دم طهور سال في سبيل الله.. ثم تتسع ابتساماتها المطمئنة الهانئة، وهي تبصر ثاني الأمراء جعفرا يندفع كالسهم صوب الراية ليتسلمها، وليحملها قبل أن تغيب في التراب. | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:15 am | |
| خالد بن الوليد ( سيف الله المسلول )
أي بداية نبدأها مع خالد :-
انه هو نفسه، لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا.. ولو استطاع لنحّى عمره وحياته، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين، وأيام.. فلنبدأ معه اذن من حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله، وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن، ، فنفجّرت شوقا الى دينه، والى رسوله، والى استشهاد عظيم في سبيل الحق، يزيح عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات.. لقد خلا يوما الى نفسه، وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا، وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين، فقال: والله لقد استقام المنسم.... وان الرجل لرسول.. فحتى متى..؟؟ أذهب والله، فأسلم.. ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين: .. وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص، فقال مرحبا يا قوم، قلنا : وبك.. قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم. فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق.. فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير.. وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله.. فقال: ان الاسلام يجبّ ما كان قبله.. قلت: يا رسول الله على ذلك.. فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك.. وتقدّم عمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله... أرأيتم قوله للرسول:" استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله"..؟؟ ان الذي يضع هذه العبارة بصره، وبصيرته، سيهتدي الى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الاسلام.. أتذكرون أنباء الثلاثة شهداء أبطال معركة مؤتة..؟؟ لقد كانوا زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة.. لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير.. وتذطرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال : أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا. ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا.. ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا". كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقيّة، ادّخرناها لمكانها على هذه الصفحات.. هذه البقيّة هي : ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله علي يديه. فمن كان هذا البطل..؟ لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع الى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش: زيد، وجعفر وعبدالله ابن رواحة، والذين اساشهدوا بنفس الترتيب على ارض المعركة الضارية.. وبعد سقوط آخر القواد شهيدا، سارع الى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا تبعثر الفوضى صفوفه.. ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن الوليد، قائلا له : خذ اللواء يا أبا سليمان... واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاحب سيقطعه البطل وثبا.. في حياة الرسول وبعد مماته، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا... ولّي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون، وجناهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح، ظافر مدمدم.. ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا، فتجعل المغلوب غالبا، والغالب مغلوبا.. وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه، هو وقف الخسائر في جيش الاسلام، والخروج ببقيته سالما، أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة. بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان.. هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه، والقتال دائر، الى مجموعات، ثم يكل الى كل مجموعة بمهامها.. وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة، خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى. بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال. وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم.. وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة.. وعلى الجناح الأيمن من الجيش، يجعل الرسول خالدا أميرا.. ويدخل خالد مكة، واحدا من قادة الجيش المسلم، والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا وما كان يقول حينها لا شيء الا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم الى بعض فرحين قائلين: (وعد الله.. لا يخلف الله وعده).. وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى، ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة، وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة، مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. ألى أبو سليمان ، سيف الله، خالد بن الوليد ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض.. ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد، وغطفان، وعبس، وطيء، وذبيان.. ثم في قبائل: بني غامر، وهوزان، وسليم، وبني تميم.. ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين.. واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، وواجه الاسلام أخطر محنة، واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا.. ولكن، كان هناك أبو بكر. عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس، وبني مرّة، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب.. ودار القتال، وتطاول، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم.. ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية.. وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني، ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له: الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟ اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد : لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك. وأمام اجماع مصمم من المسلمين، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش الى احدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها.. وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا.. ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة، ومن نصر الى مصر حتى كانت المعركة الفاصلة.. فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز اليهم من القبائل، قد جيّشوا أخطر جيوش الرده قاطبة، يقوده مسيلمة الكذاب. وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم تبلغ منه منالا.. وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار خالد.. ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه، وجعل منه خطرا حقيقيا، وخصما رهيبا.. والتقى الجيشان: ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه، صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء. وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب، وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة. وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة.. ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها.. ، ثم صاح بصوته المنتصر: امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حيّ. وامتازوا جميعا.. مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم وكل بني أب على رايتهم . وهكذا صار واضحا تماما، من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة، اتّقدت مضاء، وامتلأت عزما وروعة.. وخالد بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا، فتتحوّل سيوف جيشه الى مقادير لا رادّ لأمرها، ولا معوّق لغاياتها.. وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات، فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد. لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده، وحلّت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت احدى خصال عبقريّته الباهرة.. وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقتل مسيلمة.. هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق.. ويمضي البطل الى العراق، وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره، اذن لرأينا من أمرها عجبا. في الأبلّة، الى السّدير، فالنّجف، الى الحيرة، فالأنبار، فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان تهلّ به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون. وسار بجيشه الظافر كالسكين في ال**د الطريّ حتى وقف على تخوم الشام.. .فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة، واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة، أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي سفيان.. وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة.. بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا: " والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا".. وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل،. وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر: والله لأشفينّ وساوسهم بخالد ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار، فعلى الرغم من أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه، فانه لم يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه، فتنازل لهم عن حقه الدائم في الامارة وجعلها دولة بينهم.. كان جيش الروم بأعداده وبعتاده، شيئا بالغ الرهبة.. وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا وخوفا.. ولكن ايمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات، فاذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه. ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم، فقد قال أبو بكر، وهو بالرجال جدّ خبير: خالد لها وقال:" والله، لأشفينّ وساوسهم بخالد". فليأت الروم بكل هولهم، فمع المسلمين الترياق. عبأ ابن الوليد جيشه، وقسمه الى فيالق، ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد أن خبر وسائل اخوانهم الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها.. كل مناورة توقعها من الروم صنعوها.. ولوة البطل زمام جواده ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال.. " الله أكبر" " هبّي رياح الجنة".. كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة. ودار قتال ليس لضراوته نظير.. وأقبل الروم في فيالق كالجبال.. وبدا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون.. ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم.. وبعد، فها نحن أولاء نواجه العظمة الانسانية في مشهد من أبهى مشاهدها.. اذ كان خالد يقود جيوش المسلمين في هذه المعركة الضارية، ويستلّ النصر من بين أنياب الروم استلالا فذا، بقدر ما هو مضن ورهيب، واذا به يفاجأ بالبريد القادم من المدينة من الخليقة الجديد، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. وفيه تحيّة الفاروق للجيش المسلم، نعيه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وتولية أبي عبيدة بن الجرّاح مكان خالد . قرأ خالد الكتاب، وهمهم بابتهالات الترحّم على ابي بكر والتوفيق لعمر.. ثم طلب من حامل الكتاب ألا يبوح لأحد بما فيه وألزمه مكانه أمره ألا يغادره، وألا يتصل بأحد استأنف قيادته للمعركة مخفيا موت أبي بكر، وأوامر عمر حتى يتحقق النصر الذي بات وشيكا وقريبا ودقّت ساعة الظفر، واندحر الروم.. وتقدّم البطل من أبي عبيدة مؤديا اليه تحيّة الجندي لقائده... وظنها أبو عبيدة في أول الأمر دعابة من دعابات القائد الذي حققق نصرا لم يكن في الحسبان.. بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة وجدّا، فقبّل خالد بين عينيه، وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه.. فسواء عليه أن يكون أميرا، أو جنديا.. ولقد هيأ له هذا الانتصار العظيم على النفس، كما هيأه لغيره، طراز الخلفاء الذين كانوا على راس الأمة المسلمة والدولة المسلمة يوم ذاك.. أبو بكر وعمر.. اسمان لا يكاد يتحرّك بهما لسان، حتى يخطر على البال كل معجز من فضائل الانسان، وعظمة الانسان.. فحين أرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح الى بعض قبائل العرب القريبة من مكة، وقال له : اني أبعثك داعيا لا مقاتلا. غلبه سيفه على أمره ودفعه الى دور المقاتل.. متخليا عن دور الداعي الذي أوصاه به الرسول مما جعله عليه السلام ينتفض جزعا وألما حين بلغه صنيع خالد.. وقام مستقبلا القبلة، رافعا يديه، ومعتذرا الى الله بقوله : " اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد". ثم أرسل عليّا ففدى لهم دماءهم وأموالهم. وقيل ان خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبدالله بن حذافة السهمي قال له : ان رسول الله قد أمرك بقتالهم لامتناعهم عن الاسلام.. كان خالد يحمل طاقة غير عادية.. وكان يستبد به توق عارم الى هدم عالمه القديم كله.. ولو أننا نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النبي لهدمه. فهو يضرب بيمينه، وبشماله، وبقدمه، ويصيح في الشظايا المتناثرة، والتراب المتساقط: " يا عزّى كفرانك، لا سبحانك اني رأيت الله قد أهانك". ثم يحرقها ويشعل النيران في ترابها فاننا سنظل نردد مع أمير المؤمنين قوله : " عجزت النساء أن يلدن مثل خالد".. لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيرا، وعلم الناس فيما بعد أنه لم يكن يبكي فقده وحسب، بل ويبكي فرصة أضاعها الموت عن عمر اذ كان يعتزم رد الامارة الى خالد بعد أن زال افتتان الناس به. ومحصت أسباب عزله، لولا أن تداركه الموت وسارع خالد الى لقاء ربه. نعم سارع البطل العظيم الى مثواه في الجنة.. أما آن له أن يستريح..؟؟ هو الذي لم تشهد الأرض عدوّا للراحة مثله..؟؟ أما آن لجسده المجهد أن ينام قليلا..؟؟ أما هو، فلو خيّر لاختار أن يمدّ الله له في عمره مزيدا من الوقت يواصل فيه هدم البقايا المتعفنة القديمة، ويتابع عمله وجهاده في سبيل الله والاسلام.. ان روح هذا الرجل وريحانه ليوجدان دائما وابدا، حيث تصهل الخيل، وتلتمع الأسنّة، وتخفق رايات التوحيد فوق الجيوش المسلمة.. وأنه ليقول: " ما ليلة يهدى اليّ فيها عروس، أو أبشّر فيها بوليد، بأحبّ اليّ من ليلة شديدة الجليد، في سريّة من المهاجرين، أصبح بهم المشركين"..
من أجل ذلك، كانت مأساة حياته أن يموت في فراشه، وهو الذي قضى حياته كلها فوق ظهر جواده، وتحت بريق سيفه هو الذي غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقهر أصحاب الردّة، وسوّى بالتراب عرش فارس والروم، وقطع الأرض وثبا، في العراق خطوة خطوة، حتى فتحها للاسلام، وفي بلاد الشام خطوة خطوة حتى فتحها كلها للاسلام... أميرا يحمل شظف الجندي وتواضعه.. وجنديا يحمل مسؤولية الأمير وقدوته.. كانت مأساة حياة البطل أن يموت البطل على فراشه. هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه: " لقد شهدت كذا، وكذا زحفا، وما في جسدي موضع الا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أو رمية سهم.. ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء كلمات لا يجيد النطق بها في مثل هذا الموطن، الا مثل هذا الرجل، وحين كان يستقبل لحظات الرحيل، شرع يملي وصيّته.. أتدرون الى من أوصى..؟ الى عمر بن الخطاب ذاته. أتدرون ما ترك..؟ فرسه وسلاحه.. ثم ماذا؟؟ لا شيء قط ، مما يقتني الناس ويمتلكون.. ذلك أنه لم يكن يستحوذ عليه وهو حيّ، سوى اقتناء النصر وامتلاك الظفر على أعداء الحق. وما كان في متاع الدنيا جميعه ما يستحوذ على حرصه.. شيء واحد، كان يحرص عليه في شغف واستماتة.. تلك هي قلنسوته.. سقطت منه يوم اليرموك. فأضنى نفسه والناس في البحث عنها.. فلما عوتب في ذلك قال : ان فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله واني أتفائل بها، وأستنصر . وأخيرا، خرج جثمان البطل من داره محمولا على أعناق أصحابه ورمقته أم البطل الراحل بعينين اختلط فيهما بريق العزم بغاشية الحزن فقالت تودّعه : أنت خير من ألف ألف من القوم اذا ما كبت وجوه الرجال أشجاع..؟ فأنت أشجع من لي غضنفر يذود عن أشبال أجواد..؟ فأنت أجود من سيل غامر يسيل بين الجبال وسمعها عمر فازداد قلبه خفقا.. ودمعه دفقا.. وقال: " صدقت..والله انه كان لكذلك". وثوى البطل في مرقده.. ووقف أصحابه في خشوع، والدنيا من حولهم هاجعة، خاشعة، صامتة.. لم يقطع الصمت المهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها، وقطعت شوارع المدينة وثبا وراء جثمان صاحبها، يقودها عبيره وأريجه.. واذ بلغت الجمع الصامت والقبر الرطب لوت برأسها كالراية، وصهيلها يصدح.. تماما مثلما كانت تصنع والبطل فوق ظهرها، يهدّ عروش فارس والروم، ويشفي وساوس الوثنية والبغي، ويزيح من طريق الاسلام كل قوى التقهقر والشرك... وراحت وعيناها على القبر لا تزيغان تعلو برأسها وتهبط، ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تحية الوداع..
ودعنا.. نردد مع أمير المؤمنين عمر كلماته العذاب الرطاب التي ودّعك بها ورثاك:
" رحم الله أبا سليمان ولقد عاش حميدا ومات سعيدا | |
|
| |
mido_engineer2011 عضو ملكى
عدد الرسائل : 517 العمر : 35 محل الإقامة : egypt الوظيفة : طالب بكلية الهندسة المزاج : moderate تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: رد: سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) السبت 15 سبتمبر 2007, 7:18 am | |
| وفى نهاية الجزء الاول من هذة السلسلة..... سانتظر ردود حضراتكم حتى انشر الاجزاء الباقية حيث ان معنا قصص 60 صحابى جليل لا تنسونا بالدعاء أخوكم.....م/محمد عصام | |
|
| |
| سلسلة (( أئمة الهدى ومصابيح الدجى ))........((أرجو التثبيت)) | |
|